الضعة والمهانة (?).
تقول أم المؤمنين عائشة: إنكم لتغفلون عن أفضل العبادات: التواضع.
هذا أمير المؤمنين عمر بن الخطاب يأتيه رجل من أشجع يحمل بشرى نصر المسلمين بقيادة سلمة بن قيس بفتح الأهواز، يقول الرجل: نشدت أمير المؤمنين فوجدته واقفا يغدي المسلمين وهو متكيء على عصاه كما يصنع الراعي، وكان يدور على القصاع وهو يقول لغلامه "يرفأ": يا يرفأ، زد هؤلاء لحما، يا يرفأ، زد هؤلاء خبزا، يا يرفأ، زد هؤلاء مرقا، فلما أقبلت عليه، قال: اجلس، فجلست، في أدنى الناس، وقدم لي الطعام فأكلت فلما فرغ الناس من طعامهم قال: يا يرفأ، ارفع قصاعك، ثم مضى فاتبعته.
فلما دخل داره استأذنت عليه فأذن لي، فإذا هو جالس على رقعة من شعر، متكيء على وسادتين من جلد محشوتين ليفا، فطرح لي إحداهما فجلست عليها وإذا خلفه ستر فالتفت نحو الستر، وقال: يا أم كلثوم غداءنا.
فقلت في نفسي: ماذا عسى أن يكون طعام أمير المؤمنين الذي خص به نفسه؟ فناولته خبزة بزيت عليها ملح لم يدق، فالتفت إلي وقال: كل، فامتثلت وأكلت قليلا، وأكل هو، فما رأيت أحدا أحسن منه أكلا، ثم قال: اسقونا، فجاءوه بقدح فيه شراب من سويق الشعير، فقال: أعطوا الرجل أولا، فأعطوني فأخذت القدح فشربت منه قليلا، إذ كان سويقي أطيب منه وأجود، ثم أخذه فشرب منه حتى روي، ثم قال: الحمد لله الذي أطعمنا فاشبعنا، وسقانا فآوانا (?).
يقول محمد بن عمر المخزومي عن أبيه: نادى عمر بن الخطاب بالصلاة جامعة، فلما اجتمع الناس، وكبروا، صعد المنبر فحمد الله وأثنى عليه بما هو أهله، وصلى على نبيه.