وإذ ذاك أقبلت فئة من صناديد المسلمين يذبون عن رسولهم القائد، فأزالوا المشركين من حوله، وفرقوهم، فالتفت الرسول - صلى الله عليه وسلم - نحو زياد بن السكن، فإذا به رمق من حياة، فقال - صلى الله عليه وسلم -: "أدنوه مني"، فأدنوه، فوسده الرسول - صلى الله عليه وسلم - على فخذه، فما لبث - رضي الله عنه - أن مات وخده على فخذ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - والرسول - صلى الله عليه وسلم - لا يفتر يدعو له، رضي الله عنهم أجمعين.
تخيل نفسك في هذا الموضع، ماذا كنت ستفعل إذا فر صحابة الرسول - صلى الله عليه وسلم - عنه؟ هل ستدافع عن الرسول - صلى الله عليه وسلم - أم تفر معهم؟
بعد وفاته - صلى الله عليه وسلم -:
عن جابر بن عبد الله -رضي الله عنهما- قال: قال لي النبي - صلى الله عليه وسلم -: "لو جاء مال البحرين أعطيتك هكذا ثلاثا"، فلم يقدم حتى توفي النبي فأمر أبو بكر مناديا فنادى: من كان له عند النبي عِدة أو دين فليأتنا فأتيته فقلت: إن النبي - صلى الله عليه وسلم - وعدني فحثى لي ثلاثا [رواه البخاري]. وهكذا وفى أبو بكر - رضي الله عنه - بوعد النبي - صلى الله عليه وسلم - حتى بعد وفاته، ولما كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أولى الناس بالوفاء أدى أبو بكر مواعيده عنه.
وكذلك فعل عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - مع سراقة بن مالك - رضي الله عنه -، ففي حادثة الهجرة اتبع سراقة النبي - صلى الله عليه وسلم - وأبا بكر فقال له النبي - صلى الله عليه وسلم -:"عد يا سراقة ولك سوارا كسرى" وقبض النبي - صلى الله عليه وسلم - وفي خلافة عمر بعد فتح المدائن جاء سوارا كسرى لعمر فنادى سراقة وألبسه إياهما وقال: هذا ما وعدك به رسول الله. إنه الوفاء لما وعد به الرسول - صلى الله عليه وسلم -.
وفاء حكيم بن حزام:
عن عروة بن الزبير أن حكيم بن حزام - رضي الله عنه - قال: سألت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فأعطاني، ثم
سألته فأعطاني، ثم قال لي: "يا حكيم إن هذا المال خضر حلو، فمن أخذه بسخاوة نفس بورك له فيه، ومن أخذه بإشراف نفس لم يبارك له فيه، وكان كالذي يأكل ولا يشبع، واليد العليا خير من اليد السفلى".
قال حكيم: قلت: يا رسول الله، والذي بعثك بالحق لا أرزأ (أسأل) أحدا بعدك شيئا حتى أفارق الدنيا، فكان أبو بكر يدعو حكيما ليعطيه العطاء فيأبى أن يقبل منه شيئا، ثم إن عمر دعاه ليعطيه فأبى أن يقبله، فقال: يا معشر المسلمين إني أعرض عليه