ومضى فتبعته، فدخل فاستأذن فأذن لي فدخل، فوجد لبنا في قدح، فقال: من أين هذا اللبن؟ قالوا: أهداه لك فلان أو فلانة، قال: أبا هر، قلت: لبيك يا رسول الله، قال: الحق إلى أهل الصفة فادعهم لي، قال: وأهل الصفة أضياف الإسلام لا يأوون على أهل ولا مال ولا على أحد، إذا أتته - صلى الله عليه وسلم - صدقة بعث بها إليهم، ولم يتناول منها شيئا، وإذا أتته هدية أرسل إليهم وأصاب منها وأشركهم فيها، فساءني ذلك، فقلت: وما هذا اللبن في أهل الصفة، كنت أحق أن أصيب من هذا اللبن شربة أتقوى بها، فإذا جاء وأمرني فكنت أنا أعطيهم، وما عسى أن يبلغني من هذا اللبن، ولم يكن من طاعة الله وطاعة رسوله - صلى الله عليه وسلم - بد، فأتيتهم فدعوتهم، فأقبلوا واستأذنوا فأذن لهم، وأخذوا مجالسهم من البيت، فقال: يا أبا هر! قلت: لبيك يا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: خذ فأعطهم، قال: فأخذت القدح فجعلت أعطيه الرجل فيشرب حتى يروى، ثم يرد على القدح فأعطيه الآخر فيشرب حتى يروى، ثم يرد عليَّ القدح حتى انتهيت إلى النبي - صلى الله عليه وسلم -، وقد روي القوم كلهم، فأخذ القدح فوضعه على يده فنظر إلي فتبسم، فقال: أبا هر، قلت: لبيك يا رسول الله، قال: بقيت أنا وأنت، قلت: صدقت يا رسول الله، قال: اقعد فاشرب، فقعدت فشربت، فقال: اشرب فشربت، فما زال يقول: اشرب حتى قلت: لا والذي بعثك بالحق لا أجد له مسلكًا، قال: فأرني، فأعطيته القدح، فحمد الله وسمى وشرب الفضلة" [رواه البخاري].
قال بعض الصالحين: ما رأيت أحدًا خرج من الدنيا كما دخل فيها إلا بشر بن الحارث، أتاه رجل في مرضه الذي توفي فيه، فشكا إليه الحاجة، فنزع بشر قميصه الذي كان عليه، فأعطاه إياه، ولم يملك غيره واستعار قميصًا مات فيه. إنه الإيثار حتى في لحظات الموت، فأخوه يحتاج إلى هذا القميص، وهو قد أيقن بالموت.
وكان سفيان الثوري يقول للسائل: مرحبًا بمن جاء يغسل ذنوبي.
عن أنس بن مالك - رضي الله عنه - قال: كان أبو طلحة أكثر الأنصار بالمدينة مالاً من نخل وكان أحب أمواله إليه بيرحاء، وكانت مستقبلة المسجد، وكان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يدخله ويشرب