على فرس كان في الدار، وأعطي سلاحًا، ثم خرج يركض حتى لحق بالقوم، فجعل لا يزال يمر على رجل فيقتله، فنظر إليه سعد فجعل يتعجب منه ويقول: من ذلك الفارس؟ فلم يلبثوا إلا يسيرًا إلا أن هزم الله المشركين، ورجع أبو محجن ورد السلاح وجعل رجليه في القيود كما كان، فجاء سعد فقالت له امرأته: كيف كان قتالكم؟ فجعل يخبرها ويقول: لقينا ولقينا حتى بعث الله رجلاً على فرس أبلق، لولا أن تركت أبا محجن في القيود لظننت أنها بعض شمائل أبي محجن، فقالت: والله إنه لأبو محجن، كان من أمره كذا وكذا، فقصت عليه قصته، فدعا به وحل قيوده، وقال: اذهب فما أنا مؤاخذك بشيء تقوله حتى تفعله، قال أبو محجن: لا جرم لا أجيب لساني إلى صفة قبيح أبدًا.
جاء أن أبا غياث الزاهد كان يسكن المقابر ببخارى، فدخل المدينة ليزور أخًا له، وكان غلمان الأمير (نصر بن أحمد) ومعهم المغنون والملاهي يخرجون من داره، وكان يوم ضيف الأمير، فلما رآهم الزاهد، قال: (يا نفسُ وقع أمر، إن سكت فأنت شريكة) فرفع رأسه إلى السماء، واستعان بالله، وأخذ العصا فحمل عليهم حملة واحدة، فولوا منهزمين مدبرين إلى دار السلطان، وقصوا على الأمير، فدعا به وقال له: أما علمت أنه من يخرج على السلطان يتغدى في السجن؟
فقال له أبو غياث: أما علمت أنه من يخرج على الرحمن يتعشى في النيران؟
فقال له: من ولاك الحسبة؟
فقال: الذي ولاك الإمارة.
فقال: ولاني الخليفة.
فقال: ولاني الحسبة رب الخليفة.
فقال الأمير: وليتك الحسبة بسمرقند.
فقال: عزلت نفسي عنها.
قال الأمير: العجب في أمرك، تحتسب حين لم تؤمر، وتمتنع حين تؤمر.