صدري، فصار يعرض لي عند ذكرى الطرق نوع تعظيم لا أجده عند ذكر غيرها، فصحت بالنفس: ويحك اعبري إلى البحر وانظرى إليه وإلى عجائبه بعين الفكر، تشاهدي أهوالاً هي أعظم من هذه، ثم اخرجي إلى الكون والتفتي إليه، فإنك ترينه بالإضافة إلى السموات والأفلاك كذرة في فلاة. ثم جولي في الأفلاك، وطوفي حول العرش، وتلمحي ما في الجنان والنيران، ثم اخرجي عن الكل والتفتي إليه، فإنك تشاهدين العالم في قبضة القادر الذي لا تقف قدرته عند حد. ثم التفتي إليك فلتلمحي بدايتك ونهايتك، وتفكري فيما قبل البداية، وليس إلا العدم، وفيما بعد البلى وليس إلا التراب، فكيف يأنس بهذا الوجود من نظر بعين فكره المبدأ والمنتهى؟ وكيف يغفل أرباب القلوب عن ذكر هذا الإله العظيم؟ (?).
لله في الآفاق آيات لعل أقلها ... هو ما إليه هداكا
ولعل ما في النفس من آياته ... عجب عجاب لو ترى عيناكا
والكون مشحون بأسرار إذا ... حاولت تفسيرًا لها أعياكا
قل للطبيب تخطفته يد الردى ... من يا طبيب بطبه أرداكا
قل للمريض نجا وعوفي بعدما ... عجزت فنون الطب من عافاكا
قل للصحيح يموت لا من علة ... من بالمنايا يا صحيح دهاكا
قل للبصير وكان يحذر حفرة ... فهوى بها من ذا الذي أهواكا
بل سائل الأعمى خطأ بين الزحام ... بلا اصطدام من يقود خطاكا
قل للجنين يعيش معزولاً بلا ... راعٍ ولا مرعى ما الذي يرعاكا
قل للوليد بكى وأجهش بالبكاء ... لدى الولادة ما الذي أبكاكا
وإذا ترى الثعبان ينفث سمه ... فاسأله من ذا بالسموم حشاكا
واسأله كيف تعيش يا ثعبان أو ... تحيا وهذا السم يملأ فاكا