زيد فقرأت {لَا يَسْتَوِي الْقَاعِدُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ} فقال: اكتب {غَيْرُ أُولِي الضَّرَرِ} فنزل الاستثناء الذي تمناه ابن أم مكتوم، وعلى الرغم من أن الله سبحانه أعفى عبد الله بن أم مكتوم وأمثاله من الجهاد، فقد أبت نفسه الطموح أن يقعد مع القاعدين، وعقد العزم على الجهاد في سبيل الله.
ذلك لأن النفوس الكبيرة لا تقنع إلا بكبار الأمور، فحرص منذ ذلك اليوم على ألا تفوته غزوة، وحدد لنفسه وظيفتها في ساحات القتال، فكان يقول: أقيموني بين الصفين، وحملوني اللواء أحمله لكم وأحفظه، فأنا أعمى لا أستطيع الفرار.
وفي السنة الرابعة عشرة للهجرة عقد عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - العزم على أن يخوض مع الفرس معركة فاصلة تزيل ملكهم، وتفتح الطريق أمام جيوش المسلمين، فكتب إلى عماله يقول: لا تدعوا أحدا له سلاح، أو فرس، أو نجدة، أو رأى، إلا انتخبتموه ثم وجهتموه إلي، والعجل العجل. وطفقت جموع المسلمين تلبي نداء الفاروق، وتنهال على المدينة من كل حدب وصوب، وكان في جملة هؤلاء المجاهدين المكفوف البصر عبد الله بن أم مكتوم - رضي الله عنه -، فأمَّر الفاروق على الجيش سعد بن أبي وقاص - رضي الله عنه - وأوصاه، ولما بلغ الجيش القادسية، برز عبد الله بن أم مكتوم لابسا درعه، مستكملا عدته، وندب نفسه ليحمل راية المسلمين والحفاظ عليها، أو الموت دونها.
والتقى الجمعان في أيام ثلاثة قاسية، وانجلى اليوم الثالث عن نصر مؤزر للمسلمين، فزالت أعظم الدول وكان بين الشهداء عبد الله بن أم مكتوم، فقد وجد صريعا مضرجا بدمائه وهو يعانق راية الإسلام (?).
أين علو همتك في الدفاع عن دين الله، ونصرة الإسلام والمسلمين؟
بعث الأمير خالد بن أحمد الذهلي والي بخارى إلى محمد بن إسماعيل البخاري: أن احل إلي كتابي الجامع والتاريخ، وغيرهما لأسمع منك.
فقال محمد بن إسماعيل لرسوله: أنا لا أذل العلم، ولا أحمله إلى أبواب السلاطين، فإن