التوبة واجبة من كل ذنب، فإن كانت المعصية بين العبد وبين الله تعالى لا تتعلق بحق آدمي فلها ثلاثة شروط:
أولها: الإقلاع عن المعصية.
ثانيها: أن يندم على فعلها.
ثالثها: أن يعزم أن لا يعود إليها أبدًا.
فإن فقد أحد الثلاثة لم تصح توبته. وإن كانت تتعلق بآدمي فشروطها أربعة: هذه الثلاثة وأن يبرأ من حق صاحبها، فإن كانت مالاً أو نحوه رده إليه، وإن كان حد قذف ونحوه طلب عفوه.
قال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا تُوبُوا إِلَى اللَّهِ تَوْبَةً نَصُوحًا} [التحريم: 8]. وقال تعالى: {وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعًا أَيُّهَ الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ} [النور: 31]، ويقول تعالى: {وَإِنِّي لَغَفَّارٌ لِمَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا ثُمَّ اهْتَدَى} [طه: 82].
وقال تعالى: {وَمَنْ لَمْ يَتُبْ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ} [الحجرات: 11].
يقول ابن الجوزي: يا من عمره كلما زاد نقص، يا مائلا إلى الدنيا هل سلمت من النقص؟ يا مفرطًا في عمره هل بادرت الفرص؟ يا من إذا ارتقى في منهاج الهدى ثم لاح له الهدى نكص، من لك يوم الحشر عند نشر القصص؟ عجبًا لنفس أمست بالليل هاجعة، نسيت أهوال يوم الواقعة، ولأن تقر وعظها فتصغي لها سامعة، ثم تعود الزواجر عنها ضائعة، والنفوس غدت في كرم الكريم طامعة، وليست لها في حال من الأحوال طائعة، والأقدام سعت في الهوى في طرق شاسعة، بعد أن وضحت من الهدى سبل واسعة، والهمم شرعت في مشارع الهوى متنازعة، لم تكن مواعظ للعقول لها نافعة، وقلوب تضمر التوبة إذا فزعت بزواجر رادعة، ثم تعود إلى ما لا يحل مرارًا متتابعة.