يتكبَّر، وبم يفرح إذا كان مسلوب الفضيلة؟!

"فالعاقلُ لا يَغْتبطُ بصفة يَفُوقه فيها سَبُعٌ أو بهيمةٌ أو جمادٌ، وإنَّما يغتبط بتقدُّمه في الفضيلة التي أبانه الله -تعالى- بها عن السِّباع والبهائم والجمادات، وهي التميِيز الذي يُشارك فيه الملائكةَ، فمَنْ سُرَّ بشجاعته التي يضعها في غير حقها لله عز وجل، فليعلم أنَّ النمر أَجرأُ منه، وأن الأسدَ والذِّئب والفيل أَشْجعُ منه، ومَنْ سُرَّ بقوة جسمه، فليعلم أن البغل والثَّور والفيل أقوى منه جِسْمًا، ومن سر بحمله الأثقال، فليعلم أنَّ الحمار أحمل منه، ومَنْ سُرَّ بسرعة عَدْوِه فليعلم أن الكلب والأرنب أَسْرعُ عَدوًا منه، ومَنْ سرَّ بحُسنِ صوته فليعلم أن كثيرًا من الطيرِ أحسنُ صوتًا منه، وأنَّ أصوات المزامير ألذّ وأطرب من صوته، فأي فخر وأي سرور فيما تكون فيه هذه البهائمُ متقدِّمةَ له؟! لكن من قويَ تمييزه، واتَّسع علمُه، وحَسُنَ عمله، فلْيَغْتبط بذلك، فإِنه لا يتقدمه في هذه الوجوه إلا الملائكةُ، وخيارُ النَّاسِ" (?).

وأهلُ السنة والجماعة هم الذين أنزلوا العقل منزلته اللائقة به، فهم وسط بين طرفين:

الطرف الأول: من جعل العقل أصلاً كليًا أوليًا، مستقلًا بنفسه عن الشرع، مستغنيًا عنه.

الطرف الثاني: من أعرض عن العقل، وذمه وعابه، وقدح في الدلائل العقلية مطلقاً.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015