كماله، ونعوتُ جلاله، وبه آمن المؤمنون بكتبه، ورسله، ولقائه، وملائكته، وبه عُرفت آياتُ ربوبيته، وأدلهُ وحدانيته، ومعجزاتُ رسله، وبه امتُثلتْ أوامره، واجتنبت نواهيه، وهو الذي يلمح العواقب فراقبها، وعمل بمقتضى مصالحها، وقاوم الهوى، فردَّ جيشه مفلولاً، وساعدَ الصبر حتى ظفر به بعد أن كان بسهامه مقتولًا، وحث على الفضائل، ونهى عن الرذائل، وفتق المعاني، وأدركَ الغوامض، وشدَّ أزر العزم، فاستوى على سُوقه، وقوّى أزر الحزم حتى حظي من الله بتوفيقه، فاستجلبَ ما يزينُ، ونفى ما يشينُ، فإذا ترك وسلطانه؛ أسر جنود الهوى، فحصرها في حبس "من ترك لله شيئًا عوضه الله خيرًا منه"، ونهض بصاحبه إلى منازل الملوك، إذا صير الهوى المَلِكَ بمنزلة العبد المملوك، فهي شجرةٌ عرقُها الفكر في العواقب، وساقها الصبر، وأغصانها العلم، وورقها حسن الخلق، وثمرها الحكمة، ومادتها توفيق من أزمة الأمور بيديه، وابتداؤها منه، وانتهاؤها إليه.

وإذا كان هذا وصفه، فقبيحٌ أن يُدال عليه عدوّه، فيعزله عن مملكته، ويحطه عن رتبته، ويستنزله عن درجته، فيصبح أسيرًا بعد أن كان أميرًا، ومحكومًا بعد أن كان حاكمًا، وتابعًا بعد أن كان متبوعًا، ومن صبر على حكمه أرتعه في رياض الأماني والمنى، ومن خرج عن حكمه؛ أورده حياض الهلاك والرَّدى.

قال علي بن أبي طالب رضى الله عنه: "لقد سبق إلى جنات عدنِ أقوامٌ ما كِانوا بأكثر الناس صلاةَ، ولا صيامًا، ولا حجًّا، ولا اعتمارًا، لكنهم عقلوا عن

طور بواسطة نورين ميديا © 2015