متكررة على التسليم لما لم تقم الحجة بصحته مع اختلاف الطباع وتفاوت المذاهب في الرد والقبول. . . ومن وجه آخر، أن المحتجين بهذه الأخبار أثبتوا بها أصلًا مقطوعًا به، وهو الإجماع الذي يحكم به على كتاب اللَّه وسنة رسوله -صلى اللَّه عليه وسلم- (?).
واستدلوا لذلك من المعقول: قال عبد العزيز البخاري (?): إنه قد ثبت بالدليل العقلي القطعي أن نبينا -عليه السلام- خاتم الأنبياء، وشريعته دائمة إلى قيام الساعة، فمتى وقعت حوادث ليس فيها نص قاطع من الكتاب والسنة، وأجمعت الأمة على حكمها، ولم يكن إجماعهم موجبًا للعلم، وخرج الحق عنهم، ووقعوا في الخطأ، أو اختلفوا في حكمها، وخرج الحق عن أقوالهم، فقد انقطعت شريعته في بعض الأشياء، فلا تكون شريعته كلها دائمة، فيؤدي إلى الخُلف في أخبار الشارع، وذلك محال يوجب القول بكون الإجماع حجة قطعية؛ لتدوم الشريعة بوجوده، حتى لا يؤدي إلى المحال (?).
وكذا، فإن اتفاق جميع المجتهدين على رأي واحد -مع ما عرف من اختلاف في عقولهم وأفعالهم- يدل قطعًا أن ما اتفقوا عليه هو الصواب بعينه، وأنه لا يوجد دليل يعارضه؛ لأنه لو وجد، لما فات عليهم جميعًا، ولاختلفوا، ومعلوم أن المجتهدين، لا تجتمع عامتهم على ما يخالف سنة رسول اللَّه -صلي اللَّه عليه وسلم-، كما أنهم لا يجتمعون على خطأ (?).