بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
الحمد للَّه الذي علّم بالقلم، علّم الإنسان ما لم يعلم، والصلاة والسلام على النبي الأكرم، الذي بُعث بين يدي الساعة إلى جميع الأمم، صلّى اللَّه عليه وعلى آله وصحبه وسلم، ما غرّد طير وترنّم، أمّا بعد:
فإنّ منزلة الإجماع في الفقه الإسلامي ذات أهميّة بالغة، لا تخفى على أحد، إذ أنّه أحد المصادر الأربعة لأدلّة المسائل الفقهيّة.
وما أجمع عليه المسلمون فهو يقين ثابت، وأمر مقطوع به، ولا يجوز مخالفته، ولا يحتاج معه إلى اجتهاد، بل إنّ الإجماع أقوى الأدلّة من ناحية الحجّة والدلالة، إذ إنّ الإجماع القطعي مقدّم على الكتاب والسنّة في المواضع التي ظاهرها التعارض (?)؛ لقوّته المستمدّة من كونه يعتمد على نصوص شرعيّة؛ ولأنّ الإجماع حجّة قاطعة لا يدخله النسخ، ثمّ إنّ الإجماع دليل على وجود دليل فرعي يعتمد عليه، وإن خفي علينا؛ لأنّ الإجماع لا بد له من مستند عند الجمهور (?).
وبهذا تظهر مكانة الإجماع من بين الأدلّة الشرعيّة، وتبرز أهمّيته في المسائل الفقهيّة، إذا ذكر.
ولهذا عني به العلماء، وكتب فيه الفقهاء بعض المؤلّفات المستقلّة، كابن حزم، وابن المنذر، وغيرهما، ومن الفقهاء من كان يعنى بذكر مواضع الإجماع في كتبه عند عرضه للمسائل، كأمثال الموفّق ابن قدامة، وابن عبد البر،