إن الحمد للَّه، نحمده ونستعينه ونستغفره ونستهديه، ونعوذ باللَّه من شرور أنفسنا ومن سئيات أعمالنا، من يهده اللَّه فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا اللَّه وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله صلى اللَّه عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليمًا كثيرًا. أما بعد:
فإن اللَّه تعالى أكرم هذه الأمة بخاتمة الشرائع والرسالات، وجعل شريعتها محكمة كاملة، حاضنة للأحكام السماوية كلها، لا يأتيها الباطل من بين يديها ولا من خلفها، فأعلنت حقوق الإنسان، وبينت طريق ممارستها واستعمالها، وأوضحت سبل حمايتها وإثباتها عند الاختلاف، حتى لا تضيع الحقوق، وتفتقد قيمتها.
وقد يسر اللَّه لهذه الشريعة علماء أفذاذ خلّفوا للأمة ثروة علمية هائلة، جمعوا فيها أقوال أئمة الإسلام في شتى أنواع العلوم ومنها علم الفقه، وبينوا فيها أحكام المسائل وأدلتها التي استندت إليها، والمتأمل في ما اعتبره الأئمة من الأدلة، يجد أنهم جعلوا القرآن الدليل الأول في الاعتبار، ثم السنة، ثم الإجماع.
ومن حرصهم على بيان الإجماع أنهم يذكرون المسألة، ثم يذكرون أدلتها التي استندت إليها، فإن كان دليلها من الإجماع ذكروا ذلك، سواء كان من الصحابة -رضي اللَّه عنهم- أو ممن جاء بعدهم من الأئمة.
ولكون مسائل الإجماع كثيرة جدًا، ونقل الإجماع وحكايته يختلف باختلاف الأئمة في بعض المسائل الفقهية، كان لا بد من تحقيق مسائل