وقد انعكست الخلافات والانقسامات التي أعقبت موت معاوية بن أبي سفيان من "سنة 60هـ" إلى سنة "72هـ" على الفتوح في هذه المنقطة، وأصبح المسلمون في موقف دفاعي، حيث اغتنم الترك انشغال المسلمين بهذا الخلاف، فكانوا يغيرون على ديار الإسلام، ويحرضون أهل الصلح من البلاد على الثورة، وبلغوا في بعض هجومهم إلى قرب "نيسابور" في خراسان، وفقد المسلمون كثيرا من المناطق التي كانوا يسيطرون عليها1.
"فما أن تمكن عبد الملك بن مروان "65-86هـ" من القضاء على مناوئيه حتى بدأ يولي الفتح الاهتمام الواجب، وكان ولادته على إقليم العراق هم مفتاح النجاح على الجبهة الشرقية، وكان الحجاج بن يوسف الثقفي الذي ولي على العرق والمشرق "سنة 75هـ" ذا فضل كبير بسبب شدته وصرامته في تحقيق قدر كبير من الاستقرار في العراق -ولو ظاهريا- مكن من خروج الحملات العسكرية نحو الأقاليم الشرقية"2. وقد اضطلع بعبء هذه الفتوح ثلاثة من قادة الحجاج المشهورين، وهم: المهلب بن أبي صفرة الأزدي، وقتيبة بن مسلم الباهلي، ومحمد ابن القاسم الثقفي.
أما المهلب بن أبي صفرة فقد ولاه الحجاج على خراسان سنة "78هـ"، وقام بفتوح واسعة فيما وراء النهر، وغزى مغازي كثيرة، ففتح مدينة "كش" في مملكة "الصغد"، ووجه منها حملة بقيادة ابنه "يزيد" إلى ملك "الختل" واضطره إلى دفع الجزية. كما فتح يزيد قلعة "نيزك" بإقليم "بادغيس" بين "مرو" و"هرات"، وغزا "خوارزم"، واستطاع المهلب وأبناؤه في مدة عامين تقريبا -أن يعيد هيبة المسلمين في المنطقة، وإن كان لم يوفق في إقامة قواعد ثابتة هناك3.