دافعه إلى ذلك هو أن الطريق الداخلي المقفر لا تكون فيه إلا مقاومة ضئيلة من القبائل البربرية وسكان الواحات. أما الإقليم الساحلي فهو مليء بالحصون والمسالح1. وبعد أن أتم عقبة إخضاع أقاليم الواحات في صحروات جنوب "طرابلس" مثل -"ودان" و"فزان" و"غدامس"- توجه إلى بلاد الجريد "جنوب البلاد التونسية"، وأخضع كل واحاتها، وافتتح "قفصة" و"قسطيلة". ثم أفضى إلى "قمونية" قلب إفريقية البيزنطية، "وهو الموضع الذي عسكر معاوية بن حديج فيه من قبل"، فوقع اختياره عليه، ليقيم فيه المدينة التي عقد العزم على بنائها2.
تأسيس القيروان 3:
وفي "قمونية" -وفي هذا القطر الفسيح الذي يطل على البحر- بدأ عقبة بن نافع في اختيار موقع المدينة الجديدة. ولقد أحسن الاختيار بشهادة جميع المؤرخين؛ إذ راعى أن تكون المدينة في موضع متوسط بين الساحل والجبل، بحيث تكون بعيدة عن كل من ساحل البحر والجبل "جبل أوراس" بمسيرة يوم، وهو مدة كافية للابتعاد عن خطر المفاجأة من غزو بيزنطي بحري، أو من هجوم بربري يأتي من الجبل. كما أنه حرص على أن تكون في موقع يتمتع بوفرة المياه والمرعى والأرض الصالحة للزراعة1.
وقد علق المستشرق الفرنس "كودل" "Caudel" على ذلك بقوله: "وكان اختيار المكان موفقا، بل بلغ من التوفيق في اختياره أن ولاه المغرب ومن خلفهم من الحكام المستقلين أقاموا بها زمنا طويلا، ولم ينتقلوا عنها إلا حينما اضطرتهم ظروف سياسية جديدة إلى ذلك، كما كان موقعها الحربي ملحوظ الأهمية، إذ كان الحاكم الذي