على السفن الإسلامية وأحرقوا عددا كبيرا منها -بالرغم من ذلك كله فإن المسلمين استمروا في إحكام الحصار إلى أن توفى سليمان بن عبد الملك "في 10 من صفر سلنة 99هـ"، وحل الشتاء ببرده وثلجه، فهلك عدد كبير من العسكر من شدة البرد، ونفقت معظم الخيول والدواب، وعدم الأقوات، وحل الضيق بمعسكر المسلمين حتى أكل الجند الدواب والجلود وأصول الشجر والورق، وكل شيء غير التراب، وظل الأمر كذلك إلى أن كتب الخليفة الجديد عمر بن عبد العزيز -رضي الله عنه- إلى مسلمة -وهو بأرض الروم- يأمره بالعودة بمن معه من المسلمين، ووجه إليه خيلا وطعاما كثيرا، وحث الناس على معونتهم1.
لقد كانت هذه الحملة الثالثة على "القسطنطينية" أعظم وأضخم الحملات التي استطاعت قوى الإسلام أن تجردها لهزيمة القوى البيزنطية، وكانت أعظم مجهود استطاع أن يبذله المسلمون لحمل لواء الإسلام إلى أمم الغرب غير الإسلامي، ثم إن الظروف لم تكن -ولن تكن أبدا مواتية- لتحقيق هذه الهدف إلا بعد سبعة قرون عندما سينجح الأتراك "المسلمون" العثمانيون في فتح "القسطنطينية" "857هـ/ 1453م".
ولقد حاول إخفاق المسلمين -زمن بني أمية- في فتح "القسطنطينية" من انتشار الإسلام في أوروبا، ولو قدر للمسلمين النجاح في ذلك الوقت لتغير مصير أوروبا بعد هذا الوقت وإلى الآن، ولنشأت فيها أمم غير الأمم، ودين غير دين المسيحية، أي لو قدر ونجحت تلك الحملة الثالثة في الاستيلاء على "القسطنطينية" لكانت الدولة الأموية قد نقلت النظام الدولي من نظام ثنائي الأقطاب إلى نظام عالمي أحادي الأقطاب، يتسيده المسلمون، وتدخل فيه أوروبا ضمن ديار الإسلامن ويتغير مسار التاريخ2.
وختاما نقول: لم تكن تلك الغزوة إلا جولة من جولات عديدة تعاورها الظفر والفشل، ولم تتوقف حركة الجهاد بعدها، وظل الفتح مستمرا على جميع الجبهات في الشرق والغرب، وظل الجهاد مع البيزنطيين قائما وإن لم يحدث غزو لـ "القسطنطينية" مرة أخرى في الفترة المتبقية من عصر بني أمية.