ابن أبي طالب -رضي الله عنه، وبين معاوية بن أبي سفيان -رضي الله عنه- الوالي على الشام حينئذ. ولقد أدت هذه الفتنة إلى انشغال المسلمين بأنفسهم عن مواصلة الفتح وتثبيت أقدامهم في البلاد التي فتحوها، وعن نشر الدعوة الإسلامية، "مما يعكس الأثر السلبي للخلافات الداخلية على وضع الدولة الإسلامية الناشئة. وهذه السلبية سوف تصبح نمطا يتكرر مرات عديدة في التاريخ الإسلامي، حيث أضحت الخلافات الداخلية عاملا مهددا لوجود ومكانة الدولة، خاصة في فترات الضعف"1.
وبعد خمس سنوات من الفتنة "35-40هـ" -تعثرت خلالها حركة الفتوحات الإسلامية وظلت تتردد في الضعف- اجتمع المسلمون على معاوية بن أبي سفيان -رضي الله عنه- سنة "41هـ" -وهو العام المعروف بعام الجماعة- وطوت الأمة الإسلامية هذه الصفحة الحزينة من النزاع والخلاف، واستعادت قوتها من جديد، وانطلقت الحركة من عقالها، منتشرة -كالعادة- في جميع الجهات، ومكتسحة العالم القديم شرقه وغربه.
ولقد نجح معاوية -رضي الله عنه- في جمع شمل الأمة قبل أن تتفتت تماما، وبعد أن كاد الأمل يضيع في إمكانية الحفاظ على الوعاء الذي يوحد الأمة، ويحفظ الشريعة، فأقام دولة قوية استطاع أن يبدأ بها مرحلة نشطة في العلاقات الدولية والتي كان قطباها حينئذ هما: الدولة الأموية، والدولة البيزنطية2.
وفي ظل الدولة الأموية استأنف المسلمون اكتساحهم لقارات العالم القديم "آسيا -إفريقيا- أوروبا" فأحيوا حركة الفتوحات الكبرى، متوغلين في أقطار الدولة البيزنطية حتى مياه "البوسفور" واستولوا على معظم الجزر الواقعة شرقي البحر المتوسط وغربيه وجنوبيه وواصلوا ضغطهم على مدينة "القسطنطينية" عاصمة الدولة البيزنطية، وحاصروها أكثر من مرة. كما أنهم فتحوا شرق العالم حتى اقتربوا من حدود الصين، واستكملوا فتح الشمال الإفريقي كله، من حدود مصر الغربية إلى