اللانهائى يعلم الحوادث وزمانها منذ بدء الخليقة إلى قيام الساعة ومن ثم فلا داعى للنسخ، ويفرق هذا المنطق بين علم اللَّه وإرادته. فالنسخ من اللَّه عمل إرادى محكم، مقدر منذ الأزل، إلى أن تكتمل الشريعة بالصورة التى يريدها اللَّه. فالنسخ يبدو لفهمنا القاصر على أنه تبديل، بينما هو فى الواقع إعلان بنهاية حكم شرعى وبدء حكم شرعى آخر، سواء كان ذلك من نبى آخر أو من نفس النبى [-صلى اللَّه عليه وسلم-]. وقد قيل باعتراض آخر، مفاده أن النهى عنه من المنكر وأن المأمور به من المعروف، ومعنى التعديل فى الأحكام جعل المعروف منكرا والمنكر معروفًا، ويرفض القائلون بالنسخ ترسيخ مبدأ الخير والشر الكامنين فى الأشياء، فاللَّه فى اختباره لعباده من ناحية الطاعة له أن يحرم عليهم ما يشاء ويحلل لهم ما يريد، وهو ما يفسر الخلاف بين الشرائع من مكان لآخر ومن زمان لآخر. فالخير هو ما يأمر اللَّه به، والشر هو ما ينهى عنه. ويستثنى من ذلك القضايا المتعلقة بالإيمان. لكن الأحكام الشرعية فى القرآن، قد نص صراحة على أنها أحكام وقتية (لا يوجد دليل على هذه الدعوى).
وقد لجأ الشافعى فى رأيه بالفصل بين القرآن والسنة من ناحية نسخ أيهما للآخر إلى مبدأ أسماه "التخصيص"، وهو الذى يؤخذ خطأ على أنه استبعاد. وضرب لذلك مثلا بالآيتين الخاصتين بعقوبة الزنا فى سورة النساء وسورة النور. ويفرق الفقه بين زنا البكر الذى تحكمه الآية (2) من سورة النور وزنا المتزوج، وهو ما لم يتحدث عنه القرآن. وبالنسبة لعقوبة الرجم، فقد ذهب الفقه إلى رجم المحصن بالحجارة لكن ثار النقاش حول أصلها. فالرجم مرفوض عند بعض الفقهاء على أساس عدم وجود عقوبتين فى كتاب اللَّه. وقد صيغت آية سورة النساء على أنها مؤقتة: {حَتَّى يَتَوَفَّاهُنَّ الْمَوْتُ أَوْ يَجْعَلَ اللَّهُ لَهُنَّ سَبِيلًا}. ويستخلص الفرق بين زنا البكر وزنا المتزوج من قسوة الأسلوب فى سورة النور واعتداله فى سورة النساء. ويأخذ البعض الحكم المنصوص عليه فى سورة النور بأنه السبيل {أَوْ يَجْعَلَ اللَّهُ لَهُنَّ سَبِيلًا} المذكور فى