إلى الشعر، احتفظت النساء بدورهن فى البكاء على الفقيد والإشادة بمآثره. ومن أشهر شاعرات الجاهلية اللواتى اشتهرن بالرثاء "الخنساء" التى أعطت الرثاء شكلا حسنًا، وتحظى حتى يومنا هذا بإعجاب لا يختلف عليه اثنان. وفى السنوات الأولى من الإسلام أحرزت ليلى الأخيلية شهرة فى شعر الرثاء فى قصائدها التى ترثى فيها توبة بن الحمير.
والنساء بسبب حساسيتهن المفرطة يكون بوسعهن التعبير بلا تحفظ عن حزنهن والإشادة بفضائل من فقدنه. وتسرى فى مراثى النساء. نغمة وجدانية تتسم بالقوة والعضوية وكان للرجال أيضا شعرهم الرثائى ولكنه لم يكن بنفس درجة قوة مراثى النساء. ومن الجدير بالملاحظة أن عددا من شعراء الجاهلية يدين بشهرته، كلية تقريبًا لشعر الرثاء على رأسهم متمم بن نويرة. أما القصيدة الشهيرة المنسوبة للبيد فى رثاء أخيه فيعتقد بأنها مدسوسة لما فيها من أثر للقرآن الكريم.
وقد برع رجال البادية خاصة فى الرثاء لتميزه بالانفعال العميق والحس الصادق. وقد روى الجاحظ أن بدويا قد رد على السؤال: "ما بال المراثى أجود أشعاركم؟ " قائلا: "لأننا نقولها وأكبادنا تحترق".
وتهدف المراثى عامة إلى تمجيد الفقيد وإظهار خسارة العشيرة أو القبيلة بفقده، ومناشدته ألا يبعد أملا فى استمرار التمتع بحمايته، والوعد بالثأر له إن كان قد لقى حتفه قتيلا، والتعبير عن كراهية أعدائه. وبالرغم من تكرار أفكار نمطية، فإنه أحيانا ما توجد صور مبتكرة.
ويحتم السياق التعرض للموت، القدر الذى لا يفر منه إنسان. وقد يتخذ الصيد صورة خيالية للتعبير عن فكرة مطاردته للإنسان. وينسب للشاعر المخضرم أبى ذؤيب قصيدة من سبعة وستين بيتا يرثى فيها خمسة من أبنائه تتضمن أمثلة من هذا القبيل.
ولنا أن نتوقع تأثيرا جذريا لظهور الإسلام على مفهوم المرثية. فخلال المعارك بين المسلمين وأعدائهم تواترت قصائد الرثاء من كلا الجانبين. من ذلك قصيدة أمية بن الصلت وضرار بن الخطيب بعد غزوة بدر بكاء على قتلى قريش وتحريضا على الانتقام لهم.