والاستقامة (الأحكام فى أصول الأحكام، جـ 2، ص 138). وقد لقى الليث تقديرًا لا يستهان به من الإمام الشافعى الذى يرى أن دراسة الحديث النبوى الشريف ترتكز أساسا على هؤلاء الأئمة التقاة: مالك، وسفيان الثورى، والليث بن سعد.

ولا تتوافر عن أخبار حياة الليث العملية سوى شذرات متناثرة (انظر المقال المخصص له فى كتاب "تاريخ بغداد"، جـ 13، ص 3 - 14). وجمع فى تلقيه علم الحديث بين كل من المكيين (مع ابن شهاب، ونافع، وعطاء ابن رابح من بين آخرين)، والمدنيين (مع مالك). سافر الليث إلى بغداد فى شهر شوال سنة 161 هـ/ يوليو 778 م، وأحرز تدريسه للحديث فيها نجاحًا باهرًا، وحظى برعاية هارون الرشيد. ويقال إن تواضعه قد منعه من طلب التكريم وشغل المناصب فى الدولة. وعند عودته إلى مصر وقف نفسه على التدريس، وعلى إدارة ثروته الكبيرة على ما يبدو. كان دخله فى السنة خمسة وعشرين ألف دينار، وما وجبت فى ماله زكاة لسخائه. وكان الليث طوال حياته لطيف المعشر فاضلًا نبيلًا (بسبب ثروته دون شك). ووفق رواية رجل عرفه حق المعرفة لفترة تزيد على عشرين سنة، أنه لم يره البتة، وهو يتناول غداءه أو عشاءه إلا مع زمرة من أصحابه ومريديه. لقد عاش الليث عيشة فخيمة، وعرف كيف يستمتع بثروته. وإذا كان أسلوب حياة من هذا القبيل قد أتاح له قدرًا معينًا من الفراغ للمشاركة فى الحياة العامة، أو لجلسات الحديث اليومية، إلا أنه كان لا ينسجم مع الفترات الزمنية الطويلة المنضبطة للعمل إلا بشق الأنفس. أضف إلى ذلك، أن عمل الليث المكتوب يبدو أقل كثيرًا (انظر قائمة الكتت والمؤلفات) بالمقارنة إلى قائمة كتب مؤلفات مالك (93 - 179 هـ/ 711 - 795 م) الذى استطاع فى جو المدينة البسيط أن يحيا حياة علمية منتجة بدرجة أكثر إلى حد بعيد.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015