معرفة كيفية تحويل المعادن الخسيسة إلى معادن ثمينة بل تهدف أيضًا إلى إقامة الصلة الشاملة مع العالم؛ ففى رأى كثير من العلماء أن عملية تنقية المادة لا تنفصل عن تنقية الروح، ولقد كشف الكيميائيون القدامى عن نفاذ بصيرتهم فى المقالات النظرية، والقصص المجازية، والأساطير والرؤى والقصائد. ولكى يحموا أنفسهم ضد اتهامات المتشددين أو المنافسين، كانوا يستخدمون أسماء مستعارة وعملوا على الاستفادة من التعابير الملتبسة والرمزية. وكل هذا جعل كتاباتهم مبهمة ويصعب فهمها، لذلك كان طبيعيا أن يرى "التنويرى" فى تاريخ الكيمياء جزءًا من "تاريخ الحماقة الإنسانية"، بل إن فى الطبعة الأولى من دائرة المعارف الإسلامية أبدى أ. فيدمان ملحوظة مؤداها أنه "لا يمكن تصور أن كائنات عاقلة قد كتبت مثل هذه الأشياء"، ولم يمهد الطريق نحو تفسير ذى دلالة وله ما يبرره للكيمياء القديمة سوى علم دراسة الدين وعلم دراسة أعماق النفس. (إن ج. إيفولا، ك. ج. يونج، م. إلياد) هؤلاء بصفة خاصة، قد أوضحوا -بحق- كيف هيمنت على الكيمياء القديمة طرائق فى التفكير أسطورية وصوفية وغنوصية. وهنا تكمن مهمة فك رموز النصوص العربية من خلال دراسات دقيقة تستعين بالتاريخ وفقه اللغة، وبذلك يتم إرساء الأسس التى تمنع الانزلاق نحو إصدار أحكام متسرعة أو اقتراحات تقريبية.

حتى الآن لم يكن بوسعنا قول الكثير عن الأسس النظرية للكيمياء العربية، بل إن هذا القليل الذى قلناه قد جاء عرضًا. فطريقة بناء النظريات تختلف اختلافا بينا من مؤلف لآخر بل إن الأعمال الكاملة التى تحمل اسم "جابر بن حيان" -وبالتالى فثمة افتراض بوجود وحدة فيما بينها- هذه الأعمال تكشف عن مفاهيم تختلف فيما بينها اختلافًا شديدًا، ومن ثم [حسبما يرى البعض] فلن تقدم هنا سوى عدد قليل من المفاهيم الأساسية وهى لا تحمل صفة العمومية فى التطبيق.

فتحويل المعادن الخسيسة إلى معادن ثمينة أمر ممكن لأن أنواع

طور بواسطة نورين ميديا © 2015