النصف الأول من القرن الثانى الهجرى (الثامن الميلادى) ظهرت ثلاثة ألوان من الفقه فى ثلاثة مراكز: الحجاز والعراق والشام. وكان للأسباب الجغرافية أثر كبير فى انتشارها، وتأثر هذا الانتشار بتطور الحياة والعقيدة فى نواح متماسكة. كما تأثر بالاختلافات الأساسية فى أصول مادة التشريع فى الأقاليم المختلفة. وكانت هذه الاختلافات طليعة لما جاء بعدها من مذاهب مالك وأبى حنيفة والأوزاعى واعتمدت مدرسة الحجاز كثيرًا على الحديث. أما مدرسة العراق فكان أكثر اعتمادها على الرأى وفى هذه الأحوال كان للآراء التى يقول بها كثرة العلماء فى المدينة -أو الحرمين: مكة والمدينة، أو فى البصرة- قيمتها الخاصة.

وظهرت حوالى منتصف القرن الثانى الهجرى (الثامن الميلادى) أول المطولات التى كتبها البارزون من أتباع هذه المدارس الثلاث وبخاصة مدرستى الحجاز والعراق. وهذه المطولات تيسر لنا الوقوف على اتجاههم العقلى. ويعتمد ما نقرره هنا على نتائج دراسة موطأ مالك، وهو المصنف الوحيد الذى كان موضع دراسة من بين هذه المطولات. وبذل مالك عناية كبرى لتقرير إجماع العلماء من أهل المدينة. وهذا التصور الذى كان يقصد به فى الأصل أن الاجماع هو رأى الغالبية لا غير (كما هو الحال فى علم القراءات الذى استعار هذا الاصطلاح من الفقه، انظر Geschichte: Noldeke - رضي الله عنهergstrasser

طور بواسطة نورين ميديا © 2015