تفت هذه الملاحظة التيجانى صاحب الرحلة بل استلفتت نظره فى عام 706 هـ (= 1306 م) كثرة وجود الكنائس التى صار بعضها أطلالا وبعضها مهجورا، كما أشار فى فزع إلى تفشى ظاهرة أكل لحوم الكلاب.
ويجمع الكتاب العرب فى العُصور الوسطى على وصف قسطيلية بأنها بلد غنى عظيم الازدهار، كما يقدر البكرى جبايتها بمائتى ألف دينار وذلك فى منتصف القرن الخامس الهجرى (الحادى عشر الميلادى)، على جين بلغت جباية قفسه خمسين ألف دينار فقط.
وقد تعجّب ابن خلدون (وهو من أهل القرن الثامن الهجرى = الرابع عشر الميلادى) من كثرة سكان قسطيلية كما كان بها نظام دقيق للرى استلفت أنظار جميع من شاهدوه. هذا إلى جانب وفرة انتاجها من التمر، ويشير اليعقوبى إلى زراعة هامة هى زراعة الزيتون التى اندثرت بعد ذلك. ويشير ابن حوقل فى القرن الرابع الهجرى (العاشر الميلادى) إلى أن زراعة قصب السكر بقسطيلية كانت من أعظم الزراعات انتاجا، لكنها ما لبثت أن تضاءلت (على حد قول البكرى) فى القرن التالى وحدث مثل ذلك لزراعة الموز.
ومن ناحية أخرى نجد أن هذا الإقليم كان ينتج من الفاكهة والحمضيات والأترج كميات لا يجاريه فيها أى إقليم آخر، كما كان يزرع به الكتان والحناء والكمون، ويصاد به ثعلب الفنك لفرائه الغالى، ويذكر ابن حوقل أن قسطيلية كانت فى عصره مركزا تجاريا هاما حافلا بالتجار من شتى الأقطار، وكان أهم ما تصدره القمح الذى يسعى المُشْترون إليه ويدفعون فيه أثمانا غالية كما أن قسطيلية كانت تصدر التمر فكان كل حمل بعيد بدرهمين كما يقول المقدسى. كما يكثر بها الصوف لكثرة ما بها من الأغنام التى يعنى الأهالى بتربيتها، ومن ثم كانت قسطيلية مركزا لتصدير المنسوجات الصوفية. وليس من شك فى أن التجارة التى كانت تمر عبر