مبالغة لا ينبغى أن نقيم لها حسابًا كبيرًا. وإذا كانت أجنحة المسجد الأقصى قد صارت سبعة بعد أن كانت أربعة عشر جناحًا بعد زلزال 424 هـ (= 1033 م) فلابد أن يكون عدد السكان قد تضاءل كنتيجة حتمية لما نزل من الأهوال والبلايا على أيدى البدو بالبلد فى العشرينيات من القرن الحادى عشر.

إن أبرز ظاهرة للحياة فى القدس كانت تتمثل فى أنه "لا يمر يوم من غير أن يفد على البلد جماعات من الأغراب" (المقدسى ص 166) فتزدحم المدينة بوفودهم وبالحجاج القادمين إليها من جميع الأقطار (المقدسى، ص 167) ويشبههم فى هذه الكثرة جماعات اليهود القادمة من الغرب (المقدسى ص 243) واسبانيا الذين جاءوا لأداء حجتهم بالقدس فى الأيام المخصصة لأداء هذه الفريضة، أو جاءوا زوارًا فى غير ذلك من المناسبات الأخرى. وتحتوى وثائق "الجنيزة" على ما خلفه هؤلاء اليهود. ولم تكن الاحتفالات الدينية للجماعات المختلفة قاصرة على زيارة دور العبادة أو حتى زيارة أسوار المدينة. وتوجد بين أيدينا أوصاف مفصلة عن هذه المواكب والتجمعات، ولابد أن هذه الجموع قد أضْفَتْ على القدس مظهر الاحتفال فى كثير من أيام هذه السنة.

أما فيما يتعلق بحكومة المدينة فنرى المقدسى يشكو من أنْ ليس للمضطهد من "نصير" (المقدسى، ص 167) ولكنه يورد شبه هذه الملاحظات حين يتكلم عن أماكن أخرى، وإن كانت وثائق "الجنيزة"، تبين أن الموقف لم يكن يدعو إلى مثل هذه النظرة المتشائمة، فالعدالة تأخذ مجراها طالما وُجد الشخص القوى الذى يهتم بإقرارها ومنذ أن صارت "الرملة" عاصمة للولاية فقد صارت الأمور جميعها تحال إليها، إلا ما كان فيها من قضايا خطيرة كل الخطورة فإنها تحال إلى القاهرة للفصل فيها.

كذلك كانت "الرملة" مركز القطر من الناحية الاقتصادية كما تُبرهن على ذلك شواهد تدل على صحة هذا الأمر، "فالسفناجات * " التى لشخص ما فى

طور بواسطة نورين ميديا © 2015