أن عبد الملك لم يبق طول هذه الفترة من الاضطرابات ساكتا بل مد يده بالمساعدة فى سنة 1287 م - 1288 م إلى الدعى ابن أبى دبوس ضد أبى حفص (683 - 692 هـ = 1284 - 1293 م) لكنه لم ينجح فى مساعدته ثم شجب سيطرة تونس (693 هـ) ليحق له المطالبة بما كان أجدر حفدة أبى زكريا يطالب بميراث أسلافه فيها وكان هذا الحفيد قد حاصر قابس سنة 1286 م على أنه ظهر فى عام 732 هـ (1332 م) مطالب جديد اسمه عبد الواحد اللحيانى فوجد منه عونا ضد أبى بكر (718 - 747 هـ/ 1318 - 1346 م) وشاهدت السنوات التالية ذروة قوة بنى مكى الذين نجحوا أثناء خصومتهم للوزير الماكر ابن تفراجين فى مد رقعة حدودهم ودعم سلطاتهم أكثر من ذى قبل وزالت هيبتهم حتى أنه فى حوالى سنة 1355 م عقدت البندقية معهم (وعلى انفراد) معاهدة نفعتهم، ولما كانوا مستمرين فى عدائهم لتونس فقد ساعدوا أبا عنان المارينى فى حملته الثانية (752 - 757 م = 253 هـ). على أنه بعد عدة عقود قليلة قام حكم أبى العباس (772 - 796 هـ = 1371 - 1374 م) فكان نذيرا بنهاية استقلال جميع مدن الجنوب.
وفى ذى القعدة من عام 781 (فبراير - مارس 1380 م) أمكن أخذ المدينة وأقيم بها وال حفصى وهو يوسف بن الأبار، إلا أنه فى السنة التالية تمكن أحد حفدة عبد الملك بن مكى ويدعى عبد الوهاب من الاستيلاء على البلد لنفسه وقتل حاكمها وحاصرها أبو العباس بشخصه سنة 789 هـ (= 1387 م) وأمر بقطع أشجار نخيلها ليرغمها على الاستسلام، ويقول ابن خلدون إن عمله هذا أتاح للبلد جوا أصح عما كان عليه من قبل، فلما استسلم عبد الوهاب سلم واحدا من أولاده إلى الوالى الحفصى ليكون رهينة عنده، ثم زاد فدفع مبلغا من المال لكن حدث بعد أن اغتيل عبد الوهاب بسنة 792 هـ (1390 م) على يدعمه يحيى بن عبد الملك بن مكى الذى أعلن استقلاله غير أن البعض نجح فى تدبير مؤامرة سنة 796 هـ (= 1393 م) وسلموه إلى الوالى أبى حفص