سلطته داخل مملكته، ولهذا السبب أصبحت السياسة الداخلية الجديدة التى اتبعها الحكام الجدد فى حكم إفريقية أشد قسوة منذ بداية حكمه. إذ يبدو أن هذا البلد -فى ظل حكم القائم- قد عانى من فرض الضرائب الباهظة والاضطهاد الدينى- ولذلك كانت التربة صالحة لظهور تحركات من ناحية الخوارج لإثارة الشعور العام فى الأوراس وقسطيلية إلا أن موقف القائم من هذه الإثارة كان سلبيًا إلى حد يبعث على الدهشة، فقد سمح للتمرد أن تتأصل جذوره وسط القبائل المعادية له فى أوراس والتى لم تستطع كبح جماحها الحامية المتمركزة فى بجاية والتزم بسياسة دفاعية ثابتة إزاء تدفق قبائل البربر عبر وادى عويد ملج تحت قيادة كبيرهم أبى يزيد النكارى واستولوا على كثير من المواقع مثل مرماجَنّه و"لاريبوس" وذلك فى عام 332 هـ/ 944 م، لقد افتقد رد فعله إلى الحركة وبعد النظر على السواء رغم ما كان تحت يده من أعداد كبيرة من العسكر (70.000 رجل كما يقول النعمان) مجهزين بالعتاد تجهيزا جيدا ومنظمين تنظيما عاليًا -وبدلا من شن هجوم شرس ضد العدو مباشرة تبنى فكرة ضارة مفادها توزيع قواته على نقاط استراتيجية مختلفة، فى الوقت الذى ترك فيه حرية الحركة للعدو فيأخذ بزمام المبادأة فى العمليات- وبهذه الطريقة أخذت مجموعة من القوات بقيادة المولى بشرى مواضعها وأخرى فى القيروان تحت قيادة خليل ابن اسحق، وثالثة على الطريق بين قيروان ومهدية بقيادة المولى ميسور -ولم يجد أبو يزيد أية صعوبة فى إلحاق الهزيمة بكل خصم من خصومه الثلاثة كل على حدة- وبدأ فى جمادى الأولى 333 هـ/ يناير 945 م فى حصار العاصمة المهدية إلا أن القائم نجح فى استنهاض مقاومة شرسة لمواجهة أبى فى ذلك المعقل البحرى. وتم صد الهجمات التى شنها المتمردون عند أبواب المهدية التى ظلت صامدة رغم شدة الحصار، وأخيرًا تبخرت حماسة المتمردين وعادت كثير من الكتائب القبلية إلى مواقعها فى الجبال لأنه لم يتبق شئ فى إفريقية يغنمونه وكانت القوات الفاطمية تواظب على القيام