لقد شكلت دراسة العين البشرية -بالنسبة للأطباء ولأولئك الذين تناولوا هذا الموضوع بالكتابة فى العالم الإسلامى- واحدا من أبرز فروع علومهم وهذا الفرع من المعرفة المناظر لمبحث Ophthalmology الغربى فى العصر الحالى قد عرف بأسماء عدة فى فترات تاريخية مختلفة؛ منها "الكُحْل" ذلك العقار ومستحضر التجميل ذو المكانة السامية فى الشرق، والذى استخدم استخداما واسعا كتعبير عن "علم وفن صيانة العيون"؛ ومنها "الكَحالة" المشتق من، "الكحل" والذى استُخْدمَ بنفس المعنى الواسع؛ ومنها "طب الأَعْيُن" أو "طب العيون" وهو تعبير ما زال ساريا؛ ومنها "الطب الرَمَدى" و"علم الرمد". ومصطلح الرمد الذى يشير أصلًا إلى مرض يصيب العين (التهاب المُلْتَحمة Conjuctivitis) صار الآن شاملا لكل أنواع أمراض العين.

ومن وجهة نظر تاريخ الطب نجد هذا الفرع يعكس تطور الطب العربى ككل، وهناك مرحلتان متميزتان فى هذا الصدد: مرحلة التَشَكُّل الأولى وفيها قام أرباب العلم فى الشرق -وجلهم من المسيحيين- بترجمة علم طب العيون واستخدامه على ما هو عليه؛ وثانيا مرحلة التطوير، وفيها قام آخرون بتنظيم تلك المادة والارتقاء بها وتعزيزها بإسهاماتهم الأصيلة. ومن الفئة الأولى يتعين علينا ذكر "يوحنا بن ماسويه" الجَنْديسابورى مؤلف كتاب "دَغَلْ العين"، و"حُنيْن بن إسحاق" الحيرى (264 - 267 هـ/ 809 - 877 م) الذى يُعْزَى إليه كتاب "العشر المقالات فى العين". ومن الفئة الثانية "علىّ بن عيسى" المسيحى البغدادى الذى عاش فى النصف الأول من القرن 5 هـ/ 11 م وهو مؤلف الكتاب الشهير "تَذْكرة الكَحّالين"، وكذلك معاصره العظيَم "عَمَار بن على" المسلم الموصلى الذى مارس الطب فى القاهرة، وهو مؤلف "كتاب المنتخب فى علاج أرماد العين". ويتعين اعتبار أعمال هؤلاء المؤلفين الأربعة بمثابة أحجار الزاوية فى صَرح طب العيون العربى.

ولتقديم فكرة عن أصالة الفكر العربى فى هذا المجال يكفينا أن نتذكر علاقات السبب والتأثير -التى كان على ابن عيسى أول من أدركها- بين التراكوما ("جَرَب العين" أو بمصطلحات اليوم: "الرمد الحبيبى" أو "التراكوما" أو "التراخوما") وحالات التهاب

طور بواسطة نورين ميديا © 2015