عقل الإنسان ومن خلاله. ومن أجل مواجهة كشف الغيب هذا انبرى الأشاعرة معلنين عن "كلية القدرة الإلهية" و"كلية العلم الإلهى" ورافضين أى أساس أنطولوجى لحرية الفعل لدى الإنسان، وكانوا فى الوقت ذاته يسعون إلى مناقضة المعتزلة (بنفس أسلحتهم) والى مناقضة المجسمة (أى المنادين بالتجسيم) على اختلاف درجاتهم على الجانب الآخر.

وفى الحالتين -حالة الأشاعرة وحالة المعتزلة- كان منطلق الحجج الجدلية هو افتراض أن العقل أهل للثقة وأنه يتعين الاعتراف بنوع من التناغم بين الشريعة والجهود العقلية المبذولة للتأثير فيها. وتلك فى اعتقادنا هى القاعدة الأساسية لعلم الكلام التى من شأنها أن تجعل منه فرعا دراسيا مستقلا، وليس مجرد هذه أو تلك من النظريات الكونية أو الفكرية، سواء كانت تعالج الأجزاء (الذرات) أو تعالج الأحوال. لكن بينما العقل لدى المعتزلة بمقدوره ويتعين عليه أن يعلل سبب اتفاقه مع الشريعة، فإن الشريعة لدى الأشاعرة هى التى ترسم للعقل حدوده وتحكم فعالياته. وفى الحالتين تكون الشريعة هى حاملة الحقيقة المطلقة التى يعين حدودها -من وجهة نظر المعتزلة- معيار العقل، أما بالنسبة للأشاعرة فذلك راجع فقط إلى أن الشريعة تفرض على الإنسان إعمال العقل لكى يتسنى له "التفكر" فى "مظاهر الكون".

وعلى ذلك فمنهج علم الكلام "أساسا" تفسيرى ودفاعى، وهو يفترض دائما وجود خصم ينبغى الفوز عليه. وتتنوع تبعا لطبيعة الخصوم ليس الحجج فقط بل وطريقة عرضها أيضا، ويجدر بالذكر أن الحجج "العقلانية" كانت فى أغلب الأحوال أول ما يجرى تقديمه؛ وهى جدلية فى جوهرها وتتبع دروبا عويصة فى الاستدلال العقلى، وإن كانت المصنفات الحديثة تضفى عليها مظهرا قياسيا. وكانت الحجج حتى عصر "الديوانى" -وكذلك الحال أحيانا مع المجددين- قائمة على أساس منطق ذى حدين حسب الأسلوب التقليدى عند الجماعات التى ترجع إلى العنصر السامى Semitic التقليدى، ومن خلال التضمين أو

طور بواسطة نورين ميديا © 2015