اللذان جاءا من بعده. فقد استأنف القرامطة نشاطهم، ومن قواعدهم فى البحرين بدأوا يهددون الطرق الحيوية للخلافة، هذا على حين أقام جناح آخر للإسماعيلية فى الغرب خلافة فاطمية فى تونس. . وفى شمال سوريا أقامت أسرة الحمدانيين دولة لها، فى الوقت الذى بدأت تؤسس فيه فى فارس أسرة شيعية أخرى -هى بنو بويه (البويهيون)، سلالة جديدة وحكما سرعان ما بدأ يهدد العراق ذاتها. . وصلت الاضطرابات فى العاصمة والفوضى إلى ذروتها بموت الخليفة وهو يقاتل قائده مؤنس واكتمل تفسخ وتصدع سلطة الخلافة فى عهد خليفتيه: "القاهر" و"الراضى". . وثمة واقعة ترمز إلى هذه الأحوال جميعا وهى مَنْحُ حاكم العراق "ابن رائق لقب أمير الأمراء. وفى عام 344 هـ/ 945 م كان الانهيار النهائى عندما دخل الأمير البويهى "معز الدولة" بغداد، وأصبح لقب أمير الأمراء، بالإضافة إلى السيطرة المحكمة على مدينة الخلفاء، فى أيدى أسرة شيعية.
والحق أن التصدع السياسى فى القرنين التاسع والعاشر والذى أدى إلى تمزق السلطة فى الدولة، وانهيار الحكم فى العاصمة، لم يكن له آثار سلبية مباشرة على الحياة الاقتصادية والثقافية للخلافة. فقد أعقب وصول العباسيين إلى السلطة انتعاش اقتصادى كبير، يقوم على استقلال موارد الإمبراطورية عن طريق الصناعة والتجارة وتنمية وتطوير شبكة كبيرة من العلاقات التجارية، فى داخل الإمبراطورية، ومع العالم الخارجى. . وقد أدت هذه التغييرات إلى نتائج اجتماعية مهمة. . فطبقة المحاربين العرب قد استبعدت، وحلّت محلها طبقة حاكمة من ملاك الأراضى والبيروقراطيين، والجنود المرتزقة، ورجال الأدب والتجار ورجال التعليم. وتحولت المدينة الإسلامية من مدينة عسكرية إلى سوق و"بورصة"، كما تحولت فى الوقت المناسب، إلى مركز لثقافة حضرية مزدهرة ومتنوعة. وتجدر الإشارة هنا إلى أن هذه الفترة كانت العصر الكلاسيكى للإسلام، حيث نضجت