من بعد مسجد المدينة. ولا يمكن أن يكون عمر عائشة فى ذلك الوقت أكثر من عشر سنوات، وقد حملت معها لعبها إلى سكنها الجديد. وكان محمد [-صلى اللَّه عليه وسلم-] يشاركها ألعابها فى بعض الأحيان. وكانت عائشة فيما يظهر فائقة الجمال طفلة وشابة، وظلت أحب زوجات النبى [-صلى اللَّه عليه وسلم-] إليه حتى بعد بنائه بعدة نساء أخريات جميلات. على أن مركز عائشة بوصفها الزوجة الأولى فى المرتبة كان يرجع من بعض النواحى إلى مكانة أبيها فى المجتمع.
وقد قامت أزمة حادة نجمت عن الحادث الذى وقع أثناء عودة النبى [-صلى اللَّه عليه وسلم-] من غزوته لبنى المصطلق فى الشهر الخامس من سنة 627 م والتى صحبته فيها عائشة. ذلك أن عائشة خرجت عندما حطّت القافلة رحالها فى وقفتها الأخيرة قبل المدينة. لقضاء حاجة فأبعدت قليلا عن المعسكر، وسقط منها عقد فتلبثت بعض الوقت تفتِّش عنه. وكانت عائشة خفيفة الوزن حتى أن الرجال الذين كانوا يحملون هودجها إلى الجمل لم يحسوا بغيبتها، ومضت القافلة جميعًا فى طريقها قبل أن تعود إلى المعسكر. وجلست عائشة تنتظر حتى عثر عليها آخر الأمر صفوان بن المعطل السلمى، فعاد بها فى حراسته إلى المدينة، وكان ذلك (فى رأى البعض) زلة كبيرة فى الظروف التى كانت سائدة آنذاك، وخاصة أن الحجاب كان قد فرض على زوجات النبى [-صلى اللَّه عليه وسلم-]. وكثر القيل والقال وجسم الأمر، ولم يكن ذلك بفعل الأعداء الشخصيين لعائشة وأسرتها فحسب، بل بفعل عبد اللَّه بن أبىّ زعيم المنافقين أيضًا. ذلك أن هذا الرجل كان قد أعلن خلال الغزوة عن سخطه على ازدياد سلطان محمد [-صلى اللَّه عليه وسلم-] وهيبته. واتضح آخر الأمر أنه ما من شاهد قوى ينهض ضد عائشة، ونزل الوحى على النبى [-صلى اللَّه عليه وسلم-] (سورة النور، الآية 11 وما بعدها) متضمنًا براءة عائشة ولوم أولئك الذين تقولوا عليها، وباء عبد اللَّه بن أبىّ بالخزى أمام الناس.