الشوبك إطاعة لأمر السلطان؛ ومن ثم استتب الأمر لأيوب فى مصر؛ أما فى الشرق (بلاد ما بين النهرين) فإن ابنه توران شاه كان يحمى مصالحه. وأما العضو الثالث أمير دمشق، فقد كان لا يزال عازفا عن أن يسلمه دولة صلاح الدين كلها تقريبا مرة أخرى.
ومن ثم لم يسلم إلى داود الذى لا يؤتمن، الأراضى الممتدة بين مصر والشام التى كان قد احتلها، ولم يسلمه أيضا الشوبك وبيت المقدس، بل أعلن أنه قد أكده على توقيع معاهدة بيت المقدس إكراهًا؛ على أنه تفادى قيام خلاف سافر ووعده بدمشق على أن يستقل بملكها بعد أن يفتحاها معًا؛ وفى السنة التالية (638 هـ = 1240 م) انشغل أيوب بتوطيد دعائم حكمه فى مصر، فأخمد فتنة أشعلها البدو فى مصر العليا، وعمل على القبض على الأمراء الذين لم يكن يثق بهم واحدًا بعد واحد، وأعطى إقطاعياتهم إلى مماليكه؛ وهنالك بدأ يقيم العمائر على جزيرة النيل الحالية، جزيرة الروضة، وكانت آنذاك لا تزال شبه جزيرة. وكانت تلك العمائر هى قصره، وثكنات مماليكه الذين يسمون المماليك البحرية والذين أطلق اسمهم على أول أسرة للمماليك.
ونشب القتال بين أيوب وأعدائه فى العام نفسه؛ وأدرك داود أنه لن يحصل منه على أى مزيد من الأرض، وشعر إسماعيل بحق أنه مهدد حين سعى أيوب إلى امتلاك دمشق؛ أما فى الشرق، فقد كان لؤلؤ أمير الموصل قد تلقى النجدات وانتزع آمد من توران شاه بن أيوب، فلم يبق لتوران شاه إلا حصن كيفا وقلعة الهيثم، ثم عقد إسماعيل وداود حلفًا مع الفرنجة تنازلا فيه لهم عن طبرية وشقيف أرنون وصفد، وسمحوا لهم بأن يشتروا الأسلحة من دمشق، وتوثقت العلاقات بين زعماء المسلمين والنصارى حتى كان كل فريق منهم يسدى الخدمات الكثيرة للآخر، ومن ثم سلم الفرنجة الأمير الجواد، وكان قد لاذ بهم، إلى إسماعيل نظير مبلغ من المال، ولم يلبث إسماعيل أن قتله. وأنذر داود وإسماعيل بدورهما الفرنجة بتمرد الأسرى المسلمين فى شقيف أرنون،