جنبه ولكن لم يمته، وأوقعوا الفشل فى جيشه حتى وادعهم، ثم قتلوا الحسين فى واقعة كربلاء، ثم تتبعوا أهل البيت يستذلونهم ويمتهنونهم ويقتلونهم، ويقطعون أيديهم وأرجلهم على الظنة، وكل من عرف بالتشيع لهم سجنوه أو نهبوا ماله أو هدموا داره؛ واشتد بهم الأمر فى أيام عبيد اللَّه بن زياد قاتل الحسين، "وأتى بعده الحجاج فقتلهم كل قتلة، وأخذهم بكل ظنة وتهمة، حتى إن الرجل ليقال له زنديق أو كافر أحب إليه من أن يقال له شيعة علىّ" حتى يروى أن رجلًا -يقال إنه جَدُّ الأصمعى- وقف للحجاج فقال له: أيها الأمير، إن أهلى عَقّونى فسمونى عليّا، وإنى فقير بائس، وأنا إلى صلة الأمير محتاج، فتضاحك له الحجاج وولاه عملًا. ويقول المدائنى: "إن زياد بن سمية كان يتتبع الشيعة فى الكوفة وهو بهم عارف، لأنه كان منهم أيام على، فقتلهم تحت كل حَجَر ومدر، وأخافهم وقطع الأيدى والأرجل، وسَمَل العيون، وصلبهم على جذوع النخل، وطردهم وشردهم عن العراق فلم يبق به معروف منهم. وكتب معاوية إلى عماله فى جميع الآفاق ألا يجيزوا لأحد من شيعة على وأهل بيته شهادة، وكتب إليهم أن انظروا مَن قِبَلكم من شيعة عثمان ومحبيه وأهل ولايته، والذين يروون فضائله ومناقبه فأدنوا مجالسهم، وقربوهم وأكرموهم، واكتبوا لى بكل ما يَرْوى كل رجل منهم واسمه واسم أبيه وعشيرته، ففعلوا ذلك حتى أكثروا من فضائل عثمان ومناقبه، لِمَا كان يبعثه إليهم معاوية من الصلات. . . وقال إنه كتب إلى عماله أن "انظروا إلى من قامت عليه البينة أنه يحب عليًا وأهل بيته فامحوه من الديوان، وأسقطوا عطاءه ورزقه". والعباسيون كانوا أبلغ فى التنكيل بهم لأنهم أعرف بخفاياهم، لما كانوا يعملون معهم فى عهد بنى أمية.
هذه الاضطهادات كان من نتائجها إحكام الشيعة للسرية ونظامها، فهم أقدر الفرق الإسلامية على العمل فى الخفاء، وكتمان عملهم حتى يتمكنوا من عدوهم. وهذه السرية استلزمت الخداع والالتجاء إلى الرموز والتأويل ونحو ذلك؛ وكان من أثر هذا الاضطهاد أيضًا اصطباغ أدبهم بالحزن العميق، والنوح والبكاء، وذكرى المصائب والآلام.
وقد حاربوا الأمويين بمثل ما حوربوا به، فكما وضع الأمويون