شؤون البلاد بمراسيم اشتراكية على كره وعداء من الناس. ثم تظاهر بإصلاح الأحوال الاقتصادية، ولم يكترث بعواقب سياسة البطش والتنكيل التى سار عليها، وأفاق بعد سنين ليجد أن إدارته ترتطم بمصاعب جديدة تهددها بالسقوط؛ فالكتلة الوطنية نشطت للعمل، وأصدرت ميثاقا قوميا فى غمرة الألم على وفاة الزعيم إبراهيم هنانو (يناير 1936) يتضمن المطلب التقليدى: الوحدة السورية والاستقلال ومقاومة فكرة الوطن القومى اليهودى، والعمل على اتحاد الأقطار العربية. وقامت فى كل مكان مظاهرات السخط العنيف ضد الفرنسيين، فقابلها هؤلاء بالاعتقال والتشريد والإرهاب. وعبرت دمشق عن ألمها بإعلان إضراب عام دام ستين يوما، خيم على البلاد أثناءه الحزن والاضطراب وأوشكت نار الثورة أن تندلع عقب صدامات دامية بين الشعب وزبانية الاحتلال، ولم يجد دومارتل بدا، بعد أن لمعت بروق التوتر الدولى فى شرقى البحر المتوسط، من الانحناء أمام هذا الإجماع الشعبى المشرف، فأذاع بيانا فتح فيه باب المفاوضة لعقد المعاهدة العتيدة. وفى 9 سبتمبر وقعت معاهدة صداقة بين سوريا وفرنسا لمدة خمسة وعشرين عاما نصت على أن يسود السلم والصداقة والتحالف بين البلدين، وإن يتشاورا فى الشئون الخارجية، وأن ينتدب كل منهما من يمثله لدى البلد الآخر وأن تزيد فرنسا قبول سورية عضوا فى عصبة الأمم، وأن تلحق دولتا جبل الدروز والعلويين بسورية مع احتفاظ كل منهما بإدارة داخلية خاصة. وأجازت المعاهدة لفرنسا أن تحتفظ بقاعدتين جويتين؛ وأن تبقى جيوشها فى منطقتى اللاذقية وجبل الدروز لمدة خمس سنوات، على أن تقدم لها سورية جميع التسهيلات اللازمة.
وفازت الكتلة الوطنية فى الانتخابات التالية وصادق المجلس النيابى السورى على المعاهدة (26 ديسمبر 1936) وبوشر تطبيق بنودها من الجانب السورى. ولكن الاحتلال لم يطق أن تتمتع سورية حتى ببعض المزايا المحدودة التى نصت عليها المعاهدة؛ فراح ينفث سمومه، ويغذى الحركات الانفصالية فى مناطق اللاذقية وجبل الدروز والجزيرة. وبينما كانت موجة التفاؤل بقرب التصديق على المعاهدة من البرلمان الفرنسى تتقدم تارة وتتراجع أخرى، وبرزت مشكلة لواء الإسكندرونة بشكل خطير.