ولعل بحر الرجز القصير كان أو بحر استخدم فى الحداء؛ ولكن ليس بين أيدينا شواهد من الحداء القديم، وأقدم ما لدينا منه ورد فى ديوان الشماخ الذى عاش وقت ظهور الإسلام.

وكان أقدم شعراء اتصل بنا شئ من أخبارهم يعيشون فى شرقى الجزيرة العربية؛ وكانوا لا يستخدمون فى شعرهم إلا عددًا قليلًا جدًا من البحور الستة عشر؛ ومما له مغزى أن الشعراء المتأخرين أنفسهم مثل جرير والفرزدق لا يستخدمون أبدًا البحور القصيرة، لأن هذه البحور قد نشأت فيما يبدو بعد ذلك فى الحجاز. وإنما يستخدم جرير بحور الرجز؛ الطويل؛ والوافر؛ والبسيط، والكامل والمتقارب. ويزيد الأعشى على ذلك بحر الخفيف فحسب. ولما كان الشعراء المتأخرون عن ذلك فى جميع أنحاء الجزيرة العربية يستخدمون سائر البحور جميعًا، فإن الحقيقة التى ذكرناها قد تشير إلى وجود سبب خفى تُرد إليه هذه الظاهرة وكان القوم يرون أن الشاعر قد أوتى علمًا خاصًا يُلهم إليه به ضرب من شيطان يألفه ويصحبه شخص أو شخصان من الأناسى يحفظان عنه أشعاره ويرويانها فى أحياء أخرى غير حيه.

وقد لا يكون هذا الشيطان الذى يألفه إلا روحا موهومة. أما راوية الشاعر فكان شخصًا حقيقيًا. وبين أيدينا عدد عديد من الرواة ذكرهم كتاب الأغانى كما ذكرهم الشعراء أنفسهم فى قصائدهم. على أن ثمة ما هو أهم من ذلك؛ وهو أن الراوى نفسه يصبح فى كثير من الأحوال شاعرًا نابها فى الجيل التالى. ونذكر من الرواة المشاهير: كان أوس بن حجر راوية طفيل الغنوى؛ والشاعر زهير راوية أوس؛ كما كان زهير راوية عمه بشامة وكان رواة زهير ابنه كعبا والحطيئة والشماخ ويمكن أن نورد من مثل هذه السلاسل من الشعراء الذين يروى كل منهم أشعار الآخر عددًا أعظم مما يتصور الناس. وهذا يشير إلى وجود ما يشبه أن يكون مدرسة من الشعراء يحاول الراوى فيها أيضًا أن ينشئ أشعارا

طور بواسطة نورين ميديا © 2015