تاريخية. وبعد زوال الفرق الأولى، ظهر اشتغال علماء الشيعة الحقيقيين بالعلم والفلسفة كالذى نجده عند علماء الإسماعيلية وعلماء الزيدية، وإن لم يكن عندهم من العبقرية أكثر مما عند غيرهم. ومن أسف أن علماء أهل السنة، حتى المتأخرين منهم، كأنما تجاهلوا هذه الجهود؛ ويجوز أنهم لم يتعرضوا لها، لأنهم لم يجدوا فيها شيئا تتميز به. وهم على كل حال قد حشروا كل غلاة الشيعة ومفسديهم تحت اسم واحد هو اسم السبعية (?)، واعتبروا هذا الاسم شاملا لكل أهل الفساد من الباطنية والقرامطة والإسماعيلية والإباحية والمزدكية والخرَّمية أو الخرمدينية (?) والملاحدة أو الزنادقة وغيرهم. وأهل البيت الحقيقيون هم ومن يميل إليهم برآء من آراء غالية الشيعة وقد كانت هذه الآراء فى الحقيقة محنة تعرض لها أهل البيت، كما رأى ذلك علماء أهل السنة ونحن نعتقد أنا قد وقفنا موقف الأنصاف بين الشيعة الحقيقيين وبين خصومهم والدخلاء عليهم. والإسلام واضح فى عقيدته وشريعته، ولذلك فإن من يخرج على أصوله فهو كمن يضع نفسه فى ضوء باهر ينكشف فيه أمره تمام الانكشاف. وكل محاولة لتقرير مذهب أو لوضع وجهة نظر لا تتفق مع العقل أو مع الشعور الخلقى الكامل فهى محاولة فاشلة لأن الإسلام دين عقلى وخلق معا.
وأشير على القارئ بأن يرجع إلى آراء مختلف فرق الشيعة عند الأشعرى فى كتاب "مقالات الإسلاميين"، طبعة استانبول، جـ 1 ص 5 - 85؛ وفى كتاب الملل والنحل للشهرستانى، طبعة كيورتن، ص 108 - 152؛ وفى "الفصل" لابن حزم، طبعة القاهرة، 1320 - 1320 هـ، جـ 3، ص 114 - 116؛ جـ 4، ص 179 - 188، 227؛ وفى كتاب "الفرق بين الفرق" ص 214 - 217، 223 - 226، 229 - 229.
[محمد عبد الهادى أبو ريدة]