وهذا المصطلح مشتق من راهب، ولم ترد هذه الكلمة فى القرآن إلا فى آية واحدة (الآية 27 من سورة الحديد) كانت مثار تفاسير متباينة، ونص الآية "ثم قَفَّينا على آثارهم برسلنا وقَفَّينا بعيسى ابن مريم وآتيناه الإنجيل وجعلنا فى قلوب الذين اتَّبَعوه رأفةٌ ورحمة ورهبانية ابتدعوها ما كتبناها عليهم إلا ابتغاء رضوان اللَّه فما رعوها حقَّ رعايتها فآتينا الذين آمنوا منهم أجرهم وكثير منهم فاسقون".
ويذهب بعض المفسرين إلى أن الفعل "جعلنا" يستهدف غرضين اثنين لا ثالث لهما، وهما الرأفة والرحمة، وعلى هذا تكون كلمة رهبانية مفعولا لابتدعوها. ونخرج من ذلك بأن الرهبانية فى هذا المقام هى فيما يظهر نظام ناسوتى محض، وأن الفاسقين قد حطوا من شأنها.
على أن بعض المفسرين يقولون إن عبارة "وجعلنا" تتعدى إلى الرأفة والرحمة والرهبانية جميعًا. ومن ثم تكون الرهبانية نظامًا من صنع اللَّه. ويشير الأستاذ ماسينيون إلى أن هذا التفسير هو تفسير القدماء. أما المحدثون فيجنحون إلى استنكار الرهبانية، ويحتجون بالحديث الذى يقول "لا رهبانية فى الإسلام".
ولم يرد هذا الحديث فى كتب الصحاح، على أنه قد مهد له فيها. فقد شكت امرأة عثمان بن مظعون للنبى [-صلى اللَّه عليه وسلم-] إهمال زوجها لشأنها، فانتصر لها النبى [-صلى اللَّه عليه وسلم-] قائلا "إن الرهبانية لم تكتب علينا" (أحمد بن حنبل، جـ 6، حديث 226؛ الدارمى، النكاح، باب 3). وثمة حديث آخر أقل من ذلك تضييقا ونصه "لا تشددوا على أنفسكم فيشدد عليكم. فإن قومًا شددوا على أنفسهم فشدد اللَّه عليهم، تلك بقاياهم فى الصوامع والديار رهبانية ابتدعوها ما كتبناها عليهم" (أبو داود، الأدب، باب 44).
وعلى هذا النحو استنكر الإسلام الرهبانية وأحل محلها الجهاد. فقد جاء فى الحديث "لكل نبى رهبانية،