والعفو عند المقدرة لمسيئهم، ومن أعلام الحلم ثلاثة هي: قلة الغضب عند مخالفة الرأى، والاحتمال عن الورى إخباتًا للرب، ونسيان إساءة المسئ عفوا عنه واتساعًا عليه، ومن أعلام التقوى ثلاثة هي: ترك الشهوة المذمومة مع الاستمكان منها، والوفاء

بالصالحات مع نفور النفس عنها، ورد الأمانات إلى أهلها مع الحاجة إليها، ومن أعلام الحب في الله ثلاثة هي: بذل الشيء لصفاء الود، وتعطيل الإرادة لإرادة الله، والسخاء بالنفس والمشاركة في محبوبه ومكروهه بصفة العقد، ومن أعمال الرشد ثلاثة هي: حسن المجاورة، والنصح عند المشاورة، والبر في المجاورة، ومن أعلام السعادة ثلاثة هي: الفقه في الدين، والتيسير للعمل، والإخلاص في السعى.

ولا يقف ذو النون عند تصنيف المقامات والأحوال وتحليلها على هذا الوجه الَّذي قدمنا، وإنما هو يتجاوزه إلى شيء آخر لعله أدق من هذا وأعمق.

وذلك بأنه يتحدث عن الحال حديثا هو أدنى ما يكون إلى فلسفته، فيظهرنا على ما بين الحال والجبر من صلة: فعنده أنَّه لا يكون للإنسان من الأحوال إلا ما يريده الله له، وليس الإنسان في حاجة إلى أن يعلم ما هو هذا الَّذي اختاره الله، إذ كان الله قد علم ما هو كائن، وهو المكون للأشياء، وهو الَّذي يختاره للإنسان (?).

ويتصل السماع بالنفس الإنسانية وله فيها عند ذى النون أثر بما تثيره العظة الحسنة والنغمة الطيبة من المعانى التي تؤدى بمن يستشعرونها إلى النعيم الدائم في مقعد صدق عند مليك مقتدر (?). وهذا يعنى بعبارة أخرى من عبارات ذى النون نفسه أن

السماع هو وارد الحق الَّذي يهيج القلب حتَّى يجد الله، وأن الذين ينصتون إليه بالحق يتحققون، والذين ينصتون إليه بالنفس يتزندقون (?). وعلى ما يذهب إليه ذو النون في السماع قد عقب الهجويرى بالإبانة عما يعنيه هذا

طور بواسطة نورين ميديا © 2015