ذات يوم من أيام إقامته بإخميم صوت لهو ودفاف، فقال: ما هذا؟ قيل: عرس، ثم سمع بجانبه بكاء وصياحًا، فقال: ما هذا؟ قيل: فلان مات؛ قال: أعطى هؤلاء فما شكروا، وابتلى هؤلاء فما صبروا، لله على إن بت بهذا البلد, فخرج فورًا إلى مصر فقطنها (?). وهو قد رحل عن مصر إلى غيرها من البلدان، وله في أماكن عدة منها ومن غيرها من البلدان أسفار وسياحات، وتروى عنه في هذه الأسفار والسياحات طائفة من الخوارق والكرامات سنعرض لها في موضعها من الحديث عن حياته الروحية،
وحسبنا هنا أن نذكر الأماكن التي تنقل بينها في مصر، والتى ارتحل إليها وساح فيها في غير مصر: فجبل المقطم وشاطئ النيل وبرابى الصعيد والفسطاط وبيت المقدس وبغداد ومكة وبوادى الحجاز والشام وتيه بنى إسرائيل وجبل لبنان وجبل أنطاكية وجبل الكام ووادى كنعان وجبال نيسان، كل أولئك أماكن شهدها ذو النون وشهدت هي من أحواله وسجلت من أقواله الشيء الكثير (?).
وقد ظل ذو النون على هذه الحال من الإقامة والرحلة، يتلقى العلم حينا، ويلقى الحكمة حينا آخر، ويعظ الناس ويرشدهم ويبصرهم بالحقائق ويوقفهم على الدقائق على الوجه الَّذي سنبينه بعد، حتَّى كانت وفاته في ذى القعدة سنة 245 هـ = 856 م، وقد قارب وقتئذ التسعين من عمره، وذلك هو التاريخ الَّذي اتفق معظم المؤرخين والمترجمين على أن وفاة الصوفى المصري كانت فيه، إذا استثنينا ابن خلكان فإنه متفق معهم من ناحية، ويزيد من ناحية أخرى ما قيل عليه من أن وفاة ذى النون كانت في سنة 246 هـ, وما قيل أيضًا من أنها كانت في سنة 248 هـ (?).
ويكتفى بعض المترجمين بأن يذكر أن وفاة ذى النون كانت بمصر دون أن