الوقت نفسه اضطهاد الزنادقة ومن يدينون بغير الإِسلام، وما وافى عام 946 حتى تسربت كل سلطة فعلية من بين يدي الخليفة، ورأينا في بغداد ثلاثة أشخاص ولوا من قبل هذا المنصب الجليل، ثم خلعوا آنئذ من مناصبهم وسملت أعينهم واعتمدوا في معاشهم على الصدقة. وأصبح الخليفة من ذلك الوقت إلى عام 1055 ألعوبة إلى حين في أيدى البويهيين ثم السلاجقة. ولم يستطع الناس أن يتناسوا المكانة العظيمة التي كان يشغلها الخلفاء الأولون على الرغم من أن الخليفة كان قد فقد آنئذ سلطانه الإدارى كله. وظل الفقهاء يعدون الخليفة الضعيف مصدر السلطات والنفوذ في العالم الإسلامي، ومن ثم كان هناك حكام مستقلون ينشدون منه الألقاب وبراءات التعيين، نذكر منهم على سبيل المثال محمودا الغزنوى الذي تلقى من الخليفة اعترافًا باستقلاله وبلقبيه "يمين الدولة" و"أمين الملة" بعد أن خرج عن ولائه للأمير السامانى عام 997. وخلع الخليفة المقتدى على يوسف بن تاشفين رأس المرابطين في الأندلس لقب أمير المسلمين بعد ذلك بقرن من الزمان تقريبًا. وفي عام 1175 ادعى صلاح الدين ملك مصر والشام، فثبته الخليفة المستضئ في ملكه وبعث إليه ببراءة التولية وكساوى التشريف.
وكذلك سأل نور الدين عمر رأس الأسرة الرسولية باليمن الخليفة أن يمنحه لقب سلطان وبراءة التولية نائبا عنه، فأرسل المستنصر في عام 1235 رسولًا خاصًا يحمل إليه هذه البراءة، كما استجاب المستنصر في عام 1229 لسؤل ألتتمش الوالى التركى على شمال الهند، فمنحه لقب سلطان وثبته في ولايته. وظل ملوك دلهى المتعاقبون يكتبون اسم المستعصم، آخر خلفاء بغداد على سكتهم أكثر من ثلاثين عامًا بعد مقتل هذا الخليفة التعس على يد المغل.
ونحن نجد ما يناقض هذا الاعتراف بخليفة بغداد مصدر السلطة الشرعية في قيام خلافتين متنافستين. ففي عام 928 اتخذ عبد الرحمن الثالث بالأندلس لنفسه لقب خليفة، وظلت سلالته تحمل هذا اللقب من بعده، وكان هؤلاء الأمويون بالأندلس على المذهب السنى