الزراعية قبل حصادها. وكانت النتيجة المحتومة لهذا العمل أن تورط الزراع في الدين، وأن خسر التجار أموالهم. ولم تكن هذه إلا صورة مصغرة من النظام الذي حمل الحكومة نفسها دينًا باهظًا أثقل كاهلها، وكان منشؤه المغالاة في الثقة برخاء البلاد الاقتصادى. وما من شك في أن المصريين لم يكونوا يعرفون كيف ينتفعون بالأموال المقترضة، لأن تقاليدهم الاقتصادية لم تجعلهم على علم بطرائق جمع رءوس الأموال، يضاف إلى هذا أن الاستيراد من أوربا قد جاء إلى مصر بسلع لم يكن المصريون في حاجة ماسة إليها من الوجهة الاقتصادية، ولكنهم مع ذلك استوردوا منها كميات كبيرة نذكر منها المنسوجات القطنية التي كان معظمها يرد من إنكلترة. وكانت نتيجة هذا كله أن زيادة الإنتاج لن تعد على مصر بالثراء، وقد بقى الأهالى بوجه عام فقراء مثقلين بالدين شأنهم في ذلك شأن خزانة الدولة سواء بسواء. لكن الروابط الاقتصادية والمالية التي نشأت بين مصر وأوربا بوجه عام وبينها وبين إنكلترة بوجه خاص كانت روابط قوية لا تنفصم عراها حسبنا أن نلقى نظرة واحدة على جداول الوارد والصادر حوالي عام 1850 كما أوردها كريمر لنعرف ما كان لإنكلترة في ذلك الوقت من مصالح تجارية في مصر، وندرك السبب الذي حدا بها إلى التدخل في شئون البلاد تدخلًا قويًا نشيطًا حين تأزمت أحوالها الاقتصادية والمالية، وكيف أدى تدخلها هذا إلى احتلال البلاد عسكريا. وأصبحت مصر بعد عام 1882 أكثر مما كانت من قبل اعتمادًا على إنكلترة في شئونها الاقتصادية بسبب توسعها في زراعة القطن وإن كانت السيطرة الإنكليزية قد حالت بينها وبين الوقوع مرة أخرى في مخالب الإجداب. وهكذا نرى كيف هيأ محمد على للبلاد موارد من الثروة لم يجن ثمارها أهل مصر أنفسهم، وقد حدث ذلك بعينه في كثير من البلاد الإسلامية الأخرى.

ولم تظهر بعد في عالم التأليف بحوث شاملة للطريقة التي صبغت بها أحوال مصر الاقتصادية بالصبغة الأوربية كالكتاب الذي كتبه عن شئون

طور بواسطة نورين ميديا © 2015