والمعنى الذي جاءت به الآية المذكورة آنفًا (سورة الروم، الآية 29 (?) وهو أن كلمة حنيف معناها الدين الفطري يتردد في مصنفات العرب المتأخرين مثل الكامل (ص 244) (?) ". . ما حنيف على الفطرة .. ؟ " أو الديار بكرى (جـ 2، ص 177): إذا مت "على الفطرة لله".
ويتصل بهذا، وإن أصابه تعديل جوهري، استعمال بعض المصنفين للفظ "حنيف" لا للدلالة على الدين الفطري الخالص، ولكن للدلالة على ما سبق الأديان المتأخرة القائمة بذاتها.
ويستعمل المسعودي بخاصة في كتابه "التنبيه والإشراف" لفظ "الحنفاء" مرادفًا للصابئين من الفرس والرومان قبل اعتناقهم المجوسية فالنصرانية (?) وهو يسمى هذا الطور من أطوار الرقى الديني بالحنيفية الأولى (?) ليفرق بينه وبين الدين الحنيف. ويقرر في الوقت نفسه أن هذه الكلمة "حنيف" صيغة معربة من السريانية "حنيفوا (?) " ويجب أن نذكر في هذا المقام أن الكلمة السريانية "حنف" إنما تستعمل للدلالة على الصابئين بالذات (ابن العبرى: التاريخ ص 176).
وإذا أردنا الآن أن نحقق أصل كلمة "حنيف" وتاريخها الأقدم فإن أول ما ينبغي أن نعمله هو البحث عن عبارات قد ترد فيها الكلمة بمدلول مستقل عن الاستعمال القرآني. ومما يستوجب الأسف أن معظم هذه العبارات تكتنفها الصعاب الشديدة، إما للشك في صحتها وإما لأنها من التداخل والإلتباس بحيث تتعرض لكثير من التأويلات. ومن ثم انتهى العلماء إلى نتائج مختلفة،