بيته يعهد برعاية أسرته إلى شقيق زوجته، واسمه الكرَنْبَائى. وعن طريق صهره هذا، وجد الحلاج نفسه على صلة بعشيرة كانت تؤيد انتقاض الزيديين من الزنج الذين كانوا متشبعين على تفاوت بمبادئ غلاة الشيعة؛ ولعل هذا هو السبب فى الشهرة التى لزمته من غير أساس بأنه داعية شيعى. وإلى هذه الفترة يرجع احتفاظه بتعبيرات عجيبة تظهر عليها اثار الشيعة، بيد أنه واصل فى البصرة حياة النسك الشديد، وظل مؤمنًا أعمق الإيمان بمذهب أهل السنة. وشخص الحلاج إلى بغداد لمشاورة الجنيد المتصوف الذائع الصيت وقد ضاق بالصراع الذى نشأ بين والد زوجته الأقطع، وبين عمر المكى، ولم يستمع إلى نصيحة الجنيد فرحل بعد إخماد فتنة الزنج مباشرة.
الحجة الأولى: وفى مكة أدى فريضة الحج الأولى، ونذر البقاء عامًا معتمرًا بساحة البيت الحرام، ملازمًا الصيام والصمت لا يتحول. وكان يمارس فى هذا رياضته الشخصية للاتحاد بالله، وذهب مذهبًا مناقضًا للكتمان الذى يلتزم به المتصوفة، وبدأ فى الإعلان عن طريقته. وهنالك قطع عمرو المكى علاقته به، بيد أن الحلاج أخذ يجتذب المريدين.
وعاد الحلاج إلى خوزستان، وخلع خرقة الصوفية، واتخذ لباس عامة الناس (لعله القباء، وهو عباءة يلبسها الجند) حتى يستطيع أن يتكلم ويعظ بحرية أكثر. وهذه هى بداية دعوته التى كان هدفها الأساسى تمكين كل إنسان من أن يجد الله فى قلبه، مما أكسبه لقب "حلاج الأسرار"، وعرضه للريبة والكراهية وإلى افتضاح أمر الصوفية وأصبح من مريديه بعض السنيين الذين كانوا من قبل نصارى، وصار منهم وزراء فى بغداد من بعد. ولكن بعضًا من المعتزلة والشيعة الذين كانوا يشغلون مناصب هامة فى بيت المال، اتهموه بالخديعة وبزائف المعجزات، وأثاروا عليه الدهماء. فنزح إلى خراسان ليواصل دعوته بين الجاليات العربية