جـ 9، ص 384 - 385). وسرعان ما أقتبس جيش السلاجقة العظام نوعًا من التقسيمات الخاصة بفن الحصار بالإضافة إلى المهندسين، وعمال الأشغال العسكرية والنفَّاطين. ولا شك أن الاحتكاك بالروم (البوزنطيين) في العصر العباسى هو الذى عجلَّ بهذا التقدم. وفى أثناء حملة ألب أرسلان على بلاد الكُرْج سنة 456 هـ (1064 م) استخدم السلطان كتيبة النفاطين في جيشه لتدمير المتاريس الخشبية التى كانت في آنى، ثم اندفع جيش ألب أرسلان غربيها، ومن هناك إلى الأناضول. وفى أثناء الحصار في الأناضول أقام بالغرائر المليئة بالقش والتراب دشمًا لحماية رماة السهام، والنُشَّاب، والنفَّاطين، كما أقام برجًا من الخشب له ظُلَّة بُللتْ بالخل لوقاية المهاجمين الرابضين أعلى هذا البرج من السوائل المغلية والنيران التى تصب فوقهم، وهدمت القوات السلجوقية من هذا البرج أسوار بلاد الكرج (صدر الدين الحسينى، أخبار الدولة السلجوقية، ص 39 - 40). وفى صدر حكم ملك شاه، وبعد إخماد حركة الانتفاض التى قام بها قاوُرد سنة 465 هـ (1073 م) عهد السلطان في القيام على المجانيق وآلات الحصار التى يستخدمها الجيش، إلى واحد من أقدر قواده، هو العبد الخصى عماد الدين ساوتكين (البندارى، ص 49).
والمصادر حافلة خاصة بالأساليب الفنية للحصار في عهد الخوارزمشاهية، والغورية والمغول (القرنان السادس والسابع الهجريان الموافقان للقرنين الثانى عشر والثالث عشر الميلاديين). حين بلغ العلم ذروته عند مسلمى العصور الوسطى. ولقد تبين أن ضرب مدينة بالمجانيق لم يقتصر أثره على هدم الأسوار وحسب (كانت هذه الأسوار في العالم الإيرانى مصنوعة على كل حال من اللبن) لكن ذلك كان له أثر نفسى أيضا إذ هو يجعل الحياة داخل المدينة غير آمنة لتساقط القذائف عليها بصفة مستمرة. وبهذه الوسيلة التى تشيع اليأس والرعب في أرجائها اعتمد الخوارزميون في إجبار الغور المدافعين عن هراة على الاستسلام تقريبًا سنة