فأصبح الحسين وأصحابه محصورين وقد ضيق عليهم الخناق، وراح أنصاره يتساقطون أمامه وهم يقاتلون دونه (الطبرى، ص 351 - 354، 355)، وانفتح الطريق إلى الطالبيين الذين كانوا حتى هذه اللحظة بعيدين عن الاشتراك فى القتال، وبدأت المذبحة تنزل بهم. وكان أول من قتل منهم على الأكبر ولد الحسين (الطبرى، ص 356) ثم قتل ابن لمسلم بن عقيل (الطبرى، ص 357) ثم جاء دور أبناء عبد الله بن جعفر وعقيل، ثم القاسم بن الحسن الذى وصف مقتله فى عبارات مؤثرة: "خرج إلينا غلام كان وجهه شقة قمر، فى يده السيف، عليه قميص وإزار ونعلان قد انقطع شسع أحدهما، ما أنسى أنها اليسرى، فقال عمرو بن سعد بن نفيل الأزدى: والله لأشدن عليه، فقلت له: سبحان الله وما تريد إلى ذلك: يكفيك قتل هؤلاء الذين تراهم قد إحتولوهم، قال: فقال: والله لأشدن عليه، فشدّ عليه فما ولى حتى ضرب رأسه بالسيف، فوقع الغلام لوجهه، فقال: يا عماه. قال فجلىّ الحسين كما يجلىّ الصقر ثم شدّ شدّة ليث غضب، فضرب عمرًا بالسيف، فأتقاه بالساعد، فأطنها من لَدُن المرافق، فصاح، ثم ننحى عنه، وحملت خيلٌ لأهل الكوفة ليستنقذوا عمرًا من الحسين، فاستقبلت عمرًا بصدورها، فحرّكت حوافرها وصالت الخيل بفرسانها عليه، فوطئته حتى مات، وانجلت الغبرة فاذا بالحسين قائم على رأس الغلام فجاء به حتى ألقاه مع ابنه علىّ بن الحسين وقتلى قتلت حوله من أهل بيته" (الطبرى، ص 358).
ولم يرد فى متنى الطبرى والبلاذرى تفصيلات عن مقتل العباس أخى الحسين، فهما قد اقتصرا (الأول فى ص 361، والثانى فى صفحة 657 ظهر) على القول بأن الحسين قد برح به العطش فشق طريقه إلى الفرات، ولكن حيل بينه وبين بلوغه، وهنالك دعا على من حرمه من الشرب أن يموت عطشًا (وقد أجيب دعاؤه بطبيعة الحال). وجرح الحسين فى فمه وذقنه فرمى بدمه الذى كان قد جمعه فى كفيه إلى السماء، وشكا إلى الله ما يُفعل بابن بنت نبيه. على أنه لا شك أنه قد بقيت