الوحيد من الأسرة الذى نجا من المذبحة، قال: "أثنى [أى الحسين] على الله تبارك وتعالى أحسن الثناء، وأحمده على السراء والضراء، اللهم إنى أحمدك على أن أكرمتنا بالنبوة، وعلمتنا القرآن، وفقهتنا فى الدين، وجعلت لنا أسماعًا وأبصارًا وأفئدة، ولم تجعلنا من المشركين، أما بعد، فإنى لا أعلم أصحابًا أولى ولا خيرًا من أصحابى، ولا أهل بيت أبّر ولا أوصل من أهل بيتى فجزاكم الله عنى جميعا خيرًا، ألا وإنى أظن يومنا من هؤلاء الأعداء غدًا، ألا وإنى قد رأيت لكم فانطلقوا جميعًا فى حل، ليس عليكم منى ذمام، هذا ليل قد غشيكم، فاتخذوه جَمَلًا، " (الطبرى، جـ 2، ص 320). وأظهر أنصاره الولاء الكامل لقضيته إلا عدد قليل، وخفف الحسين من جزع أخته زينب وهدأ من ثائرتها وكانت قد غشى عليها يأسًا، ثم خرج ليتفقد التحصينات، وجعل المضارب تقترب بعضها من بعض وربط بينها بالحبال وجعل الخشب والقصب أكوامًا فى خندق ليحرق إذا استوجب الأمر ذلك ردًا لهجوم يأتيهم من الخلف وقضوا بقية الليلة فى صلاة (الطبرى، جـ 2، ص 317 - 324، 326). وبدأ القتال فى اليوم التالى بعد حلول الصبح.
إذا سلمنا بأن ابن سعد حاول أن يجبر المنتقضين على التسليم بإذاقتهم عذاب العطش والإحاطة بهم حتى يقبض عليهم (وهذا ما نخرج به فيما يظهر من دراسة الروايات دراسة موضوعية) فإنه يحق لنا أن نسلم بأن معركة كربلاء قد امتدت من الفجر حتى العصر فى سلسلة من المبارزات الفردية، والهجمات يصحبها كرُّوفر، وفترات من السكون، ومناوشات دفاعًا عن المضارب وما إلى ذلك، وطال ذلك حتى أوشكت الشمس على الغروب، وهنالك فرغ صبر جنود ابن زياد من مقاومة المنتقضين فأطبقوا على من بقى من الطالبيين وذبحوهم. وفى مثل هذا القتال الذى بدأ على هيئة تسابق مميت لا يشترك فيه إلا عدد قليل من المقاتلة وعدد كبير من المشاهدين والجنود المتحفزين، فإن بعض المحاورات بين الخصمين التى رددتها المصادر يمكن