ليعلن فيها عن وصوله الوشيك (هو قيس بن مسهر الصيداوى أو عبد الله بن يقطر أخوه من الرضاعة: انظر الطبرى جـ 2، ص 288، 293، 303) قد كشف أمره وقتل. وعندئذ أخرج الحسين لأنصاره كتابًا قرأه عليهم وقال فيه إنه قد أتاه خبر فظيع هو قتل مسلم بن عقيل وهانئ بن عروة وعبد الله بن يقطر وأن أهل الكوفة خذلوه، ثم أردف بأن من أحب منهم الانصراف عنه فلينصرف، ولم يبق مع الحسين إلا أولئك الذين خرجوا معه من الحجاز.
وكانت شراذم من الفرسان يجوسون فى هذه المنطقة فلما ظهروا فى الأفق عدل الحسين وجهته وقصد "ذوحُسمُ" وضرب عندها خيامه. واقترب الفرسان يقودهم الحرّ بن يزيد التميمى اليربوعى، وكان الجو حارًا، فأمر الحسين أن يزودوا بالماء. وكان الموقف عند ذاك لم يزل خاليًا من التوتر حتى أن الحرّ وكتيبته شاركوا هذا اليوم فى صلاتين أمهما فيهما الحسين (الطبرى، جـ 2، ص 302). وحدث من بعد أن أربعة من الشيعة قدموا من الكوفة واستطاعوا أن ينضموا إلى المنتقضين بالرغم من أن الحرّ حاول أن يعترض على ذلك (الطبرى، جـ 2، ص 302). وبين الحسين لأعدائه، بعد هاتين الصلاتين، الدوافع التى حملته على الخروج إلى الكوفة قائلًا: "إنى لم آتكم حتى أتتنى كتبكم، وقدمت على رسلكم: أن أقدم علينا فإنه ليس لنا إمام لعل الله يجمعنا بك على الهدى، فإن كنتم على ذلك فقد جئتكم، فإن تعطونى ما أطمئن إليه من عهودكم ومواثيقكم أقدم مصركم، وإن لم تفعلوا وكنتم لمقدمى كارهين انصرفت عنكم إلى المكان الذى أقبلت منه إليكم". ولم يكن الحرّ يعلم شيئًا عن الرسائل التى تلقاها الحسين من أهل الكوفة، ولم يغير الحرّ من رأيه حين أطلعه الحسين على خرجين مليئين بهذه الرسائل، وقال الحرّ إنه تلقى أمرًا بأن يحمل هذا المنتفض بلا قتال إلى ابن زياد، وحاول أن يقنع الحسين أن يتبعه، ومضى الحسين فى طريقه، ولم يجسر الحرّ على اعتراضه فاقترح عليه أن يلتمس طريقًا لا يؤدى إلى الكوفة