الهزيمة أو فى حالة التقهقر من خير الدلائل التى تقاس بها كفايته وروحه المعنوية. والحكم بمقتضى هذا المقياس وحده قد لا يبرر الصيت الكبير الذى لجيش المماليك. وكان من المنتظر أن أية نكسة يصاب بها تنال فى يسر من روحه المعنوية فى السنوات التى اضمحل فيها. والأمر العجيب أن المرء، بقدر ما يستطيع أن يحكم من شاهد واحد هام، يجد أن مسلكه لم يكن فى جوهره يختلف عن ذلك حين يكون فى أوج سلطانه أو قريبا من أوج هذا السلطان. وقد كانت الهزيمة الكبرى الوحيدة التى منى بها هذا الجيش فى أيام المماليك البحرية هى معركته الأولى مع الإيلخان غازان سنة 699 هـ (1299 م)، إذ سرعان ما انتهى تقهقره إلى فرار يسوده الفزع والذعر، بل إن الأمراء الكبار تخلوا عن الجنود الذين تحت إمرتهم ونجوا بحياتهم فرارًا. وأراد الجنود أن ييسروا الفرار على أنفسهم فتركوا خوذاتهم ولبسوا بدلها المناديل، وتخلى كثير منهم عن ملابس الميدان وراحوا يختبئون فى دمشق خشية غضب العامة وثورتهم. وحاول آخرون التنكر بحلق لحاهم. وانسحب الجيش المصرى والجيش الشآمى إلى مصر، وبلغ جنود الجيشين القاهرة فى جماعات صغيرة، بل "متفرقين فُرَداء" ومعظمهم شبه عرايا بلا جياد. ويقول واحد من المؤرخين إن عدد من هلكوا فى القتال الفعلى كان قليلا جدًا، وقد لقى كثير منهم حتفه أثناء الفرار. واقتضى الأمر عدة أشهر لإعادة تنظيم الجيش وتزويده بالعدة، ولكن السلطان الناصر محمدًا نهض لمجابهة الموقف على الرغم من حداثة سنه. وكان يستطاع فى مصر النهوض بمثل هذه الجيوش الضخمة وإعادة تنظيمها بالنظر إلى الازدهار الكبير الذى كانت تنعم به هذه البلاد فى ذلك الوقت، كما ذكرت المصادر صراحة (النجوم الزاهرة، طبعة القاهرة، جـ 8، ص 122، س 15 - 19، ص 124، س 1 - 8، 12 - 14، ص 128، س 13 - ص 129، س 3؛ النهج السديد [فى Patrologia Orientalis] جـ 14، ص 637، س 8 - ص 638، س 2، ص 670، س 8 - ص 671، س 3؛ - Zetter رضي الله عنهeitraege: steen، ص 60، 23 -