الجانبين كان أقل من خمسين قتيلا. وقد وقعت معارك بعد شقحب لم يفقد فيها أى جندى حياته (النجوم الزاهرة، جـ 6، ص 688). ويذكر ابن تغرى بردى فى القول الثانى الذى يدلى به وهو يحمل الحديث عن عهد السلطان قلاوون أنه لو لم يفعل قلاوون سوى تنشئة جنوده التنشئة الحسنة لكفى بذلك دليلا على عظمته. ذلك أن سلوكهم الحسن ونظامهم الجيد كانا على طرفى نقيض من سلوك مماليك زمانه ونظامهم، ويجب أن نقرن هذا بأنه لم تدر حرب حقيقية فى القرن التاسع الهجرى سوى الحرب مع تيمور. وكانت أكبر عملية عسكرية جرت فى هذا القرن هى غزو قبرس، على أن هذه العملية نفسها لم تكن حربًا بالمعنى المفهوم، ذلك أن القبارسة سلموا لكتيبة صغيرة قبل أن يصل مجموع الجيش إلى ميدان المعركة. أما بقية الحملات البحرية فلم تكن تعدو "سفرًا فى البحر ذهابًا وإيابًا". وفى قول تغرى بردى إن هذا يباين مباينة جلية ملفتة المعارك الكبيرة المتصلة والحمية فى القتال وهى ما اتسمت به الفترة ما بين عهدى صلاح الدين والأشرف خليل. وهو يضيف أن من العجيب أن جنود المماليك فى الأجيال السالفة كانوا متواضعين يتسمون بالخجل بالرغم مما حققوه من انتصارات وما أتوه من فعال باهرة: كانوا ينسون أنفسهم فى حضرة العظماء والدهاة المحنكين ولا يحتقرون أولئك الذين يشغلون مناصب أدنى من مناصبهم. بل لقد كان المماليك فى زمنه على عكس غيرهم. ما من واحد منهم كان قادرًا على الأخذ بعنان فرسه كما ينبغى. وكانوا خبراء فى التغلب على الضعيف ومن لا حول له ولا قوة. وكانت غزواتهم سلبا للتبن والدريس (النجوم الزاهرة، طبعة القاهرة، جـ 7، ص 328، س 3 - ص 39، س 15) وانظر عن انهيار نظام المماليك فى عهد الجراكسة (رضي الله عنهulletin of the School of Oriental and صلى الله عليه وسلمfrican Studies جـ 15، ص 206 - 213). وكان ثمة ميل ظاهر أيام الجراكسة لتقديس عصر المماليك البحرية، على أن هذا الميل لم يكن بحال خاليا من سند قوى.