إن الخسائر التى ذكرتها مصادر المماليك عما فقده المماليك أو أعداؤهم معتدلة جدًا على وجه الإجمال، وإن لم تخل بحال من المبالغات. ومن الأمور الهادية فى هذا الصدد ما ذكره المؤرخ المملوكى ابن تغرى بردى. فهو ينتسب هو ومعاصره القريب ابن خلدون (المقدمة, طبعة كاترمير، جـ 1, ص 9 = ترجمة روزنتال، جـ 1 ص 7) الذى قضى عدة سنوات فى سلطنة المماليك، إلى تلك القلة النادرة من المؤرخين المسلمين الذين يناقشون صحة الأرقام التى ذكرتها المصادر التاريخية عن الخسائر. وعلى حين ينتقد كلاهما الأرقام الخاصة بأحجام الجيوش، فإن ابن تغرى بردى وحده هو الذى يدخل فى نقده أرقام الذين قتلوا فى المعارك. وابن تغرى بردى نفسه، الذى يذكر فى عدة أحيان أن الأعداد التى ذكرتها المصادر لأولئك الذين أهلكهم الطاعون مبالغ فيها كل المبالغة، يضيف فى مناسبة من هذه المناسبات أن هذا يصدق أيضًا على أولئك الذين قتلوا فى "الوقائع المتقدمة"، وذلك حين تتحدث المصادر عن أن عدد من قتلوا فى معركة واحدة بلغ مائه ألف مقاتل أو أقل أو تهبط بهذا الرقم إلى ألف بل مائة. ويمضى .. مؤرخنا فى الإدلاء بحجته فيقول إنه حتى حين لا يزيد عدد القتلى على ألف فإن جثثهم تكون مبعثرة فى منطقة واسعة، وإحصاءهم يتطلب من المرء أن يستخدم عدة آلاف ممن بقوا على قيد الحياة، ولو تحقق ذلك لاستغرق مدة طويلة للتثبت من عدد القتلى على وجه الدقة. ثم يضيف قائلا إننا لم نر ولم نسمع بأن سلطانًا قد أقام قط أحدًا لإحصاء أعداد القتلى فى أية معركة إلا إذا كان عددهم ألفًا أو أقل. أما من قتلوا فى المعارك مع هولاكو وغازان وتيمور فإن تقرير عددهم بالدقة جنون مطبق، ولا يمكن أن يصدّق هذه الأعداد إلا مجنون. ويخلص مؤرخنا الإخبارى من ذلك بأنه إنما ذكر المعارك مع هؤلاء الخانات بخاصة لأنهم كانوا يعيشون قرب زمانه، ومع ذلك فهو يعنى أية معركة وقعت فى العصر الإسلامى أو قبله (الحوادث، ص 337: س 14 - ص