الساحل ثم ينثنى مخترقًا وادى إسدرالون مباشرة إلى بيسان، ويخترق الآخر الكرك فى شرقى الأردن، إلا أن الطريق الأول هو الذى كان يستعمل فى الغالب لأنه كان أفضل كثيرًا من الثانى. زد على ذلك أن المؤن التى تعد على طول الطريق الذى يسلكه الجيش قبل خروجه بأمد طويل دون أى محاولة للتخفى كانت تنبئ العدو بالناحية بالضبط التى يتوقع منها الهجوم.
على أن المرء يمكن أن يجد شواهد على محاولات بذلت لتضليل العدو؛ فقد حدث مرة حين خرج بيبرس الأول على رأس جماعة من فرسانه أن منع رجاله من شراء الطعام والعليق حتى يخفوا هويتهم (السلوك، جـ 1، ص 598). وكان السلطان ططر (824 هـ = 1421 م) يعد من أعظم الخبراء بين سلاطين المماليك فى استعمال الخدع والمكائد، ذلك أنه حين خرج لقتال منافسيه من الأمراء فى الشام لم يرفع "الجاليش") انظر النجوم الزاهرة، جـ 6، ص 490 - 498)، كما قطع جميع المواصلات بين مصر والشام. وهذه الفعال التى سميت "تعمية الأخبار" (النجوم الزاهرة، جـ 6، ص 494 - 495؛ ابن الفرات، جـ 9، ص 72، س 5 - 7؛ النجوم، طبعة القاهرة، جـ 8، ص 152 - 153) قد أثنى عليها المؤرخ وقال إن ططر فى هذا الصدد قد سار على نهج سلاطين المماليك الأولين (النجوم الزاهرة، جـ 6، ص 494 - 496). وهناك شواهد أخرى على قطع المواصلات بين أجزاء مختلفة من السلطنة لإخفاء تحركات الجيش. وقد سجلت أيضًا حيل أخرى اصطنعها سلاطين المماليك. فقد وزع السلطان برسباى "نفقة السفر" ليجعل قرايلك يظن أن برسباى قد اعتزم أن يهاجمه. على أنه خشى ألا يستطيع استرداد ماله فوزع النفقة على الأمراء فحسب ولم يوزعها على المماليك السلطانية (النجوم جـ 6، ص 685 - 687). وقد لجأ السلطان المؤيد شيخ إلى عدة حيل استخدمها ضد نوروز الحافظى (النجوم، جـ 6، 336 - 337) ومن هذه إشعاله كثيرًا من النيران فى الخيمة التى كان قد تركها وشيكًا، فجعل