هو سادس الخلفاء الفاطميين، وكان يلقب قبل توليه الخلافة: بأبى على المنصور. ولكى نحصل على فكرة واضحة قدر الإمكان عن خلق هذا الحاكم الغامض يجب أن نقسم حياته إلى ثلاثة أدوار متمايزة بعضها عن بعض تمام التمايز. فالدور الأول، وهو دور حداثته، يبدأ من توليه الخلافة فى الحادية عشرة من عمره وينتهى بمقتل "برجوان" فى سنة 390 هـ (سنة 1000 م)؛ ويبدأ الدور الثانى من تاريخ هذا الحادث حتى سنة 408 هـ (سنة 1017 م)؛ أما الدور الثالث فهو السابق على اختفائه سنة 411 هـ (سنة 1021 م).
الدور الأول سنة 386 - 390 هـ = 996 - 1000 م:
فى اليوم نفسه الذى مات فيه العزيز فى مدينة بلبيس بويع بالخلافة ابنه الوحيد "المنصور" وتلقب "بالحاكم بأمر الله"، وقد ولد المنصور فى 23 ربيع الأول سنة 375 هـ (13 أغسطس سنة 985 م) من أم نصرانية، وأقيم العبد الخصى "برجوان" وصيا عليه امتثالا لرغبة أبيه. غير أن "برجوان" لم يستطع أن يخضع لسلطانه قائد الجيش "ابن عمّار المغربى" الذى كان الخليفة "الحاكم" قد منحه رتبة "الواسطة" ولقّبه بأمين الدولة. وكان لمحاباة هذا القائد بنى جنسه من الكتاميين وتفضيلهم على إخوانهم من الجنود أثر سئ أثار النفوس إلى درجة الغليان، فعمد الجنود الترك آخر الأمر إلى امتشاق الحسام لرد عدوان البربر إخوانهم فى السلاح. وانتهت هذه الفتنة بهزيمة البربر وسقوط قائدهم "ابن عمَّار" وقد عفا عنه الخليفة، إلا أنَّه سرعان ما دبر أمر الخلاص منه فاغتيل وأصبح "برجوان" عندئذ مطلق السلطان، فركبه الزهو والغرور وترك مقاليد الأمور تفلت من يده، ثمَّ انغمس فى الملذات ينعم بثروته الطائلة مهملا تثقيف الخليفة القاصر، بل تغالى فأخذ يلقبه ألقابا تجعله موضع الاستهزاء مما حزّ فى نفس الخليفة. على أن برجوان عرف حقيقة خلق الخليفة وكان يجهله من قبل؛ ففى سنة 390 هـ (سنة 1000 م) أمر الخليفة بقتله ولجأ